4/12/2013 -
ما هي الوحدة الأساسية للتخاطب؟ الكلمة؟ المقطع؟ الصوت (الفونيمة)؟ نوقشت هذه الأسئلة عقودًا طويلة بين الباحثين بمجالي التخاطب واللغة، بل إن أسئلة مشابهة قد تحدَّت أولئك الذين يدرسون الطيور المغردة. وفي حين تدعم الأدلة السلوكية1 فكرة تجميع الأغنيات في أصوات (من 100-250 ملي ثانية) تُعرف بالمقاطع، فإن معطيات علم وظائف الأعصاب تشير2 إلى أن المنطقة قبل الحركية بالمستويات العالية من تراتبية العصبونات الحركية بالدماغ تتصرف كساعة تقدم تيار نشاط مستمر بمقياس وقت، مقداره 10 ملّي ثانية. ومؤخرًا، قام أمادور وزملاؤه3 بالتوفيق بين معطيات مختلفة بتقديم دليل على أن شفرة الأغنية الصادرة عن العصبونات الحركية لطيور البرقش المغردة (شبيهة الحمار الوحشي) تكون فعليًّا مجزأة إلى «إيماءات» محددة أقصر بوضوح من مقاطع الأغنية. 
تعود جذور هذه الدراسة لبرنامجي بحث، بدءًا بنقطتين متعاكستين من مشكلة التشفير الحركي (العصبي). فدرست إحدى المجموعات المستويات الأعلـى من الجهاز الحركي، حيث تقوم الإشارات الحسية المتعلقة بسمعيات الأغنية بتغيير البرنامج الحركي للأغنية أثناء التعلم. اكتشف الباحثون4 أنه في كل مرة يؤدي الطائر الأغنية، تقوم العصبونات فرادى بإنتاج نبضات نشاط منتظمة ومحددة بشكل لا يصدَّق. كما أظهروا5 أيضًا تناظرًا مذهلاً بين النشاط الحركي الذي تم تسجيله عند قيام الطائر بالغناء والنشاط السمعي الناجم عن إعادة الاستماع للأغنية في حالة نوم الطائر.
أما الفريق الآخر، فقد بحث كيفية توليد الصوت من العضو الصوتي للطائر المعروف بالمصفار. وطوّروا نموذجًا فيزيائيًّا حيويًّا مبسطًا للمصفار، احتوى على مَعْلَمَتين حركيتين: الضغط في الكيس الهوائي للطائر، والتوتر المرتد شبيه الزنبرك في غشاء مهتز تحكمه العضلات المحيطة بالمصفار. وأظهر تحليل النموذج أن تغيرات طفيفة في الضغط والتوتر يمكن أن تؤدي نتيجةً، تكون تقليدًا مقبولاً للأصوات التي تصدرها أنواع عديدة من الطيور المغردة6,7. وتشير هذه الدراسة أيضًا إلى أنه كي تكون للطائر قدرة على الغناء، فقد لا يحتاج سيطرة دقيقة على طاقم من العضلات. بيد أنه قد تكفي إشارتان أساسيتان، إذا تمت السيطرة عليهما بطريقة زمنية محددة. 
وجَمْع المقاربتين السابقتين في الوقت الحالي يجعل البحثين يتطابقان. ويركِّز أمادور وزملاؤه على تجمعات العصبونات عالية المستوى، تُعرف بخلايا المركز الصوتي الأعلى، وتعتبر ضرورية للقيام بوظيفة الغناء، لكنها ـ بمعايير الاتصال المشبكي بين العصبونات ـ تعتبر أبعد الخلايا عن المصفار. وقد سجّل الباحثون نشاط خلايا المركز الصوتي الأعلى فرادى، سواء أثناء قيام الطيور بالغناء، أم عند إعادة سماع الطيور لأغنياتها أثناء نومها. كما ضبطوا نموذج المصفار ليعيد إنتاج الأغنية الخاصة بكل طائر. وبتعريف الإيماءات الصوتية كفترة من الوقت عندما يكون معاملا الضغط والتوتر غير متغيرين، أو متزايدين، أو متناقصين بشكل جازم، تمكن الباحثون من تقسيم الأغنية إلى متتابعة من وحدات إيمائية متميزة.
وبمحاذاة المعطيات العصبية والسلوكية، وجد الباحثون أن دفقات نشاط عصبونات المركز الصوتي الأعلى تحدث بنقاط زمنية محددة من الأغنية، ‪أي عند الحدود بين الإيماءات. وتشير النتائج إلى أن الإيماءة ـ وهي أطول من نبضة، وأقصر من مقطع ـ تعتبر الوحدة الأساسية لإنتاج أغنية‬.
 تتعارض هذه النتيجة مع النظرة السائدة حول التشفير الحركي لتغريد الطائر، التي طُورت2,8 لتفسير دفقات النشاط لدى عصبونات المركز الصوتي الأعلى (الشكل1). ولعدم وجود علاقة واضحة بين توقيت الدفقات وتقسيم الأغنية إلى وحدات أساسها المقاطع، اقترح الباحثون أن المركز الصوتي الأعلى، تصرف أكثر كساعة: فالتدفق بمجموعة من عصبوناته أطلق دفقة بالمجموعة التالية، مما يشكل مجموعة مستمرة من «التَّكّات» بامتداد الأغنية.
<p><b>الشكل 1 | فرضيتا «الساعة» و«الإيماءة»</b>. في مجموعة عصبونات مركز الصوتي الأعلى الموجودة بالمنطقة قبل الحركية ـ الأساسية للقيام بوظيفة الغناء ـ فإن كل عصبون يقوم بإصدار دفقة نشاط وحيدة (أشرطة) وهي مغلقة لإنتاج الأغنية. وأمكن التسجيل من عصبونات قليلة فقط (اللون الأحمر) في أي طائر. أ، كان مقترحًا أن تكون العصبونات التي لم يُسجل نشاطها (مفتوحة) بحالة نشاط مستمر طوال الأغنية، تعمل كأنها ساعة تقوم بتوقيت إنتاج الأغنية. ب، ببناء نموذج للعضو الصوتي للطائر، قام أمادور وزملاؤه<sup><a href="#ref3">3</a></sup>&nbsp;بإنتاج مجموعة جديدة من «موسيقى الصفحة» لكل أغنية، وتحدد أوامر حركية مسؤولة عن إنتاج أي صوت. ووجد الباحثون أن كل دفقة تم تسجيلها وقعت بالقرب من نقطة انتقال (تحول) بين الإيماءات (وهي أوقات البدء للنوتات الموسيقية في الصفحة)، مما يشير إلى أن تشفير الأغنية يتم على شكل مسلسل من الوحدات المتميزة. </p>


ورغم أن فرضيتي «الساعة» و«الإيماءة» قادتا إلى رؤى مختلفة تتعلق بالتشفير الحركي للأغنية، فمن المحتمل أنه بينما يميل نشاط الدفقات في عصبونات المركز الصوتي الأعلى إلى محاذاة الإيماءات العابرة، يكون عدد كافٍ من عصبونات المركز الصوتي الأعلى في حالة نشاط طوال فترة كل إيماءة؛ للحفاظ على وظيفة شبيهة بوظيفة الساعة. ولأن استبعاد هذا التفاوت في فرضية «الساعة» يتطلب نفيًا واضحًا ـ مثل ألّا تكون هناك عصبونات نشطة بالمركز الصوتي الأعلى أثناء الإيماءات ـ سيظل النقاش حول النظريتين متريِّثًا لبعض الوقت. 
تتضمن نتائج أمادور وزملائه غموضًا أعمق، قد يفضي حله إلى تبصر بكيفية تعلم الطائر لأغنيته (الشكل2). وينشأ الغموض من ملاحظة أن متوسط التأخر بين دفقات عصبونات المركز الصوتي الأعلى والإيماءات العابرة المصاحبة لها قد قارب الصفر ملّي ثانية، لكن الإشارات العصبية لعصبونات المركز الصوتي الأعلى يجب أن تنقل خلال عدة مراحل قبل أن تستطيع تبديل تقلص عضلات التنفس وعضلات المصفار في عملية تستغرق وقتًا مقداره 20 ملّي ثانية8.
وهكذا، فالدفقات التي سُجلت أثناء الغناء تتم في وقت متأخر لا يمكِّنها فعلًا مِنْ إحداث تحولات بالإيماءات. وبالمثل، فإن إشارة الصوت التي تصل إلى آذان الطائر ينبغي أن تجتاز مشابك (دماغية) عدة؛ لتتسبب في تأخير مقداره 15 ملّي ثانية، قبل أن يتم تسجيل تمثيلها الحسي في المركز الصوتي الأعلى. وهذا معناه أن الدفقات المسجلة في أثناء نوم الطائر، التي تتوازى مع الصوت بتأخير مقداره صفر ملّي ثانية، تحدث أكثر تبكيرًا من أن تسبب اكتشافًا سمعيًّا لتحوُّل في الإيماءة.
ورغم أننا لا نتوقع الوصول إلى إجابات نهائية للأسئلة المتعلقة بكيفية تحديد التمثيلات الحركية عالية المستوى للإشارات المسيطرة على إنتاج الأغنية، فإن صياغة نموذج المصفار الذي استخدمه أمادور وزملاؤه يقدم أسلوبًا لتقسيم الأغنية إلى وحدات أساسية، كما يقدم دليلًا لعلاقة دفقات عصبونات المركز الصوتي الأعلى بأحداث محددة في أغنية الطائر. وبفهم أوضح للوحدات الأساسية، تقدم تلك النتائج أساسًا لفهم كيفية تعلُّم الطيور تجميع تلك الأجزاء معًا؛ لتقوم بإنتاج أغنية كاملة.

إرسال تعليق Blogger

 
Top