كتبت إحدى الصحف القطرية عن القرية وقالت عنها: "قرية يتنفس أهلها القرآن"... فما سرّ هذه القرية؟
===================================
لافتة كبيرة مكتوب عليها «الله نور السموات والأرض» تعلن عن مدخل القرية، وعلى بُعد أمتار يقع مسجد «الرحمن»، وفي شوارعها الضيقة تصطدم عيناك برجال من جنسيات أجنبية متعددة، يرتدون جلابيب بيضاء ويقبضون في أيديهم على مصاحف صغيرة، وإذا حالفك الحظ ووصلت قبل السادسة مساء، ستسمع أصوات الأطفال العذبة، تأتيك من كل ناحية بتلاوة القرآن وترتيله، من داخل 50 كُتاباً لتحفيظ القرآن. هنا قرية عرب الرمل مركز قويسنا بمحافظة المنوفية المصرية، هنا قرية «عرب القرآن» كما أصبح يسميها أهلها.
يتناقل الأهالي رواية تقول إن بعض علماء القرآن في القرية رأوا الرسول، صلى الله عليه وسلم، في المنام، وهو يزور دور تحفيظ القرآن في القرية، فتحول اسم القرية من «عرب الرمل» إلى «عرب القرآن»، وآخرون يقولون إن سبب تسميتها أن الكثير من الشيوخ بها أخذوا على عاتقهم مهمة تحفيظ القرآن لأطفال القرية، فذاع صيتهم في القرى المجاورة، حتى كثر إقبال الكثير من الأجانب المسلمين من بعض الدول الأوروبية على القرية لحفظ القرآن على يد شيوخ «عرب الرمل».
«فاطمة»، تسكن في القاهرة، لكنها جاءت إلى القرية، واستأجرت منزلاً لتحفظ هي وأبناؤها القرآن الكريم، تقول: سمعت عن شيوخ القرية وعن قدرتهم على تحفيظ القرآن في 3 شهور، فقررت المجيء لحفظه أنا وأبنائي الصغار، وها أنا حفظت ما يزيد على نصفه في شهرين.
داخل إحدى دور تحفيظ القرآن، جلس الأطفال يتلون آيات من سورة الغاشية خلف معلمتهم، يفترشون الأرض على سجادة خضراء من الخوص، يمسك بعضهم بمصاحف صغيرة، أما الآخرون ممن لم يتعلموا القراءة والكتابة بعدُ فينصتون جيدا ويرددون الآيات بإتقان شديد.
«منى»، ذات الخمس سنوات، جاءت لتحفظ القرآن لأن والديها قالا لها إن القرآن سيحميها من الشيطان، والشيطان عدوها، وإذا أرادت أن تكون أقوى منه فعليها أن تحفظ آيات القرآن عن ظهر قلب، أما «محمد» ذو الأربع سنوات، ورغم أنه لم يتعلم القراءة والكتابة بعد، فإنه يريد أن يحفظ القرآن حتى يحبه الله ويدخله جنته، التي سيكون فيها كل ما يحلم به.
الصغير قبل الكبير في القرية يعرفه جيدا، يلقبونه بـ «خادم القرآن»، فباب منزله لا يغلق إلا وقت النوم، وما أن تخطو قدماك داخل بيت الشيخ عصام يوسف حتى تلقى الأطفال وآباءهم يحملون المصاحف، يخرجون ويدخلون إلى منزل الرجل، لمراجعة ما حفظوه، وفي زاوية أخرى من بيته خصص جزءا لتحفيظ السيدات، اللاتي أتين من القرية ومن محافظات مصر كلها لحفظ القرآن.
لم يكتف شيوخ «عرب القرآن» بتحفيظه للمصريين في قريتهم وفي المحافظات الأخرى، إنما اهتموا بتحفيظ القرآن للمسلمين الأجانب، فسافروا إلى أميركا وتركيا وبلجيكا وفرنسا وغيرهم من الدول.
«النظام السابق كان يحاربنا ويغلق دور القرآن بالقرية».. يقولها الشيخ عصام، مشيراً إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية أغلقت في العهد السابق ما يقرب من 10 دور لتحفيظ القرآن: «كانوا يستوقفوننا في المطار ونحن في طريقنا لتحفيظ القرآن خارج مصر، لكن الأمر اختلف بعد الثورة ولم تغلق دار قرآن واحدة، وأصبح سفرنا للخارج دون أي معوقات».
إرسال تعليق Blogger Facebook