مكيدة جديرة بالمؤامرات الاستعمارية الكلاسيكية التي شهدناها في القرون الماضية، كمؤامرة سايكس بيكو التي قطعت أوصال بلاد الشام والشرق الأوسط، أو الخيانة التي تعرض لها العرب بعد الحرب العالمية الأولى، أو نهب النفط العراقي من قبل رؤوس الأموال البريطانية.
لكن في هذه المرة، العرب هم من يساعد قوى الاستعمار الجديد على خداع وإخضاع العرب الآخرين، وكل ذلك عبر الجامعة العربية.
خلال العام المنصرم، ظهر الأعضاء الـ 22 لهذه الجامعة كغطاء مخادع ومفيد للقوى الغربية في تنفيذ مخطط إعادة رسم الحارطة السياسية لبلدان الوطن العربي تحقيقا لمصالحها الاستراتيجية.
زخم الثورات الشعبية التي بدأت في أوائل عام 2011 عبر الوطن العربي تم التلاعب به وتحريفه من قبل القوى الغربية لتقليص المكاسب الشعبية في الديمقراطية إلى أقل حد ممكن وإعادة تشكيل الخرائط السياسية للبلدان من أجل مصالحها. وياله من إنجاز إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن هذه القوى ذاتها قامت ولعقود من الزمن بدعم ذات الأنظمة القمعية التي نشرت الكثير من الأسى والمعاناة.
إن الهدف الرئيسي المعلن من التدخل الغربي بحجة "المسؤولية عن الحماية" هو فكرة أن هذه القوى تتحرك بدافع القلق على حقوق الانسان وحماية أرواح المدنيين. لكن نظرا لتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول في شن حروب إجرامية وعدوان خلال العقد المنصرم في الأراضي الاسلامية بشكل عام، وأعداد قتلى تتجاوز المليون قتيل وإصابات تقدر بعدة ملايين، تجد تلك القوى نفسها في خضم مشكلة هائلة تتعلق بالمصداقية عند التفكير باختراع مبررات للتدخل في الثورات العربية.
هل من مظهر أفضل لتغطية التدخل الغربي في الشؤون العربية أكثر من مظهر الدعم العربي؟ هنا أدت جامعة الدور العربية الدور المطلوب منها. فمنذ انشائها عام 1945 قامت بتجميد عضوية بلدين عضوين فقط، عضوية ليبيا في آذار 2011، وسورية التي تم تجميد عضويتها بعد ذلك بثمانية شهور.
ظاهريا، دافع الجامعة العربية لاتخاذ هكذا قرار هو أنها تشاطر واشنطن وباريس ولندن قلقها بشأن سلامة المدنيين الذين يتعرضون للقمع الوحشي على يد حكامهم.
بدون عقوبات الجامعة العربية، سيكون التدخل الغربي عبارة عن صورة فظة أخرى من صور الاستعمار القديم، وبكل الأحوال فالتدخل بأي شكل هو استعمار وهذه حقيقة. لكن بعد إضافة الأصوات العربية إلى كورس المنافقين الغربي يتم التدخل على أساس وحدة قرار المجتمع الدولي، بما فيه العرب.
يتم التنفيذ كما يلي: التحريض على العنف وعدم الاستقرار في البلد المختار، تسليح المجموعات المتمردة، وتوجيه تلك المجموعات بقيادة مجموعات من القوات الخاصة السرية، وعندما تتحرك الدولة للقضاء على التمرد المسلح يتم اتهامها بانتهاك حقوق الانسان.
تقوم جامعة الدول العربية في خطوة تالية بتحميد عضوية البلد، وبالتالي تضعه في خانة البلد المارق، وبالتالي توفير غطاء للقوى الغربية بحشد قواتها وتوجيه ضربات عسكرية، وارتكاب جرائم وموبقات باسم " المسؤولية عن الحماية"، وهندسة تغيير نظام الحكم بما يخدم مصالحها. هذه هي معادلة الاستعمار الجديد للأراضي العربية... بدعم من دول عربية أخرى.
تعتبر ليبيا تجربة أولى لهذه المعادلة التي يتم الآن تطبيقها في سورية في حملة محمومة وغير مسبوقة. دعونا لا ننسى أن التخلي عن ليبيا من قبل الجامعة العربية تلاه فورا 7 شهور من القصف الجوي من قبل قوات الناتو، والحصيلة آلاف القتلى المدنيين، وهذه جريمة لم تتوضح أبعادها بعد بسبب التعتيم الاعلامي، وهذا لايمنع أنها جريمة موصوفة تلطخت فيها أيادي العرب بدماء الليبيين.
يبدو أن جامعة الدول العربية تنفذ الآن دورا إضافيا في تطوير تلك المعادلة، ومن الواضح أن ما يجري في سورية هو تمرد مسلح يتلقى الدعم والتسليح من حكومات أجنبية، وتحتل تركيا والمملكة العربية السعودية مواقع الصدارة ودورا رئيسيا في تسليح ما يسمى بالجيش السوري الحر ضد القوات النظامية السورية الموالية للرئيس بشار الأسد.
لقد كانت الجامعة العربية هي من تقدم بطلب إلى مجلس الأمن من فترة من أجل محاصرة حكومة الأسد والتحضير لتدخل عسكري من قبل الناتو على الطريقة الليبية. لا شك أن الفيتو المزدوج الروسي-الصيني أعاق في الوقت الحالي استكمال تلك الخطة، من الواضح أن روسيا والصين تعلمتا الدرس الليبي حيث قامت القوى الغربية باستغلال قرار مماثل من مجلس الأمن لشن حملة عسكرية ضاربة ضد ليبيا تحت شعار "المسؤولية في الحماية" المثير للشبهات.
دور الجامعة العربية الغادر في التصرف ككلب الصيد عند الغرب يتجلى في تصريح وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ بعد الفيتو المزدوج الروسي – الصيني، فقال:" واجهت روسيا والصين اليوم خيارا بسيطا، هل ستدعمان الشعب السوري والجامعة العربية أم لا؟ وقد قررتا ألا تقومان بذلك، وأصرتا على الانحياز إلى النظام السوري والقمع الوحشي للشعب السوري دعما لمصالحهما الوطنية."
وهذا التصريح هو التفاف حول الحقائق وتزييف للحقيقة في أحسن أحواله. أولا، روسيا والصين قررتا دعم الحكومة السورية لأنهما تعلمان، وبالرغم من تغطية وسائل الاعلام الغربي المنحازة للوضع، أن الرئيس الأسد يتمتع ببعض الشعبية ودعم الشعب السوري، وبالتالي فهو يتمتع بالشرعية لكن الاساس حماية مصالحهما وتوازن القوى ومحاولة ابطاء مخطط الحرب القادمة. كما أن "القمع الوحشي" الذي يتشدق هيغ بالحديث عنه موجه ضد العنف الذي أمعن الغرب والبلدان العربية في التحريض عليه في سورية كما فعلوا في ليبيا من قبل.
ثانيا، المعارضة الروسية – الصينية لمشروع القرار تتوافق مع تقرير بعثة المراقبين العرب التي أرسلتها الجامعة العربية إلى سورية. فتقرير البعثة أوضح بشكل لا يقبل اللبس أن العنف يتم من قبل مجموعات مسلحة ومجموعات معارضة مسلحة تقوم بقتل المدنيين، وهذا يناقض تماما القصة التي ترويها وسائل الاعلام الغربية عن لجوء القوات الحكومية للعنف من جانب واحد.
وبالفعل، نتيجة لذلك قامت أمانة الجامعة بإلغاء البعثة لأن البعثة كانت تفضح تزوير الحقائق الذي يقوم به الغرب. إذا الحقيقة بعيدة كل البعد عن اتهام هيغ لروسيا والصين بعدم دعم الجامعة العربية، فهما تصرفتا بناء على تقرير بعثة المراقبين التي شكلتها الجامعة، وأمانة الجامعة هي التي لم تتبنى تقرير مراقبيها الموجودين على الأرض والذين نقلوا الواقع على حقيقته.
ثالثا، يجب أن نلاحظ قول الوزير البريطاني عندما أكد على أن روسيا والصين لم تدعما الجامعة العربية في تحركها لفرض عقوبات على سورية. هذه الكلمات بحد ذاتها تكشف الستار عن الهدف الحقيقي للجامعة العربية.
الجامعة العربية تؤدي دور إعطاء الشرعية الأخلاقية والسياسية للقوى العسكرية الغربية لشن حملة على سورية تماما كما فعلت في ليبيا من قبل. إن واشنطن ولندن والقوى الغربية الأخرى تخفي استراتيجياتها الاستعمارية الجديدة تحت غطاء عربي من المسؤوليات الانسانية، وهو غطاء توفره البلدان العربية من منطلق مصالحها الأنانية.
الصورة الأكبر هنا هي تخطيط الغرب للتلاعب بالاضطرابات العربية لهندسة تغيير الأنظمة وخاصة الك الأنظمة التي تعتبر مقاومة للمصالح الاستراتيجية الغربية...وخاصة في المخطط القادم لتقسيم المنطقة العربية والشرق الاوسط.
بكل الأحوال، خارطة الطريق الأمريكية – الغربية العسكرية تمتد لما هو أبعد من إعادة رسم حدود الشرق الأوسط. يشرح مايكل تشودوفسكي في كتابه الجديد، سيناريو الحرب العالمية الثالثة، خارطة الطريق التي وضعتها المؤسسة العسكرية الأمريكية والتي تهدف إلى السيطرة والهيمنة على المناطق الغنية بالطاقة والتي تعتبر الشرق الأوسط ومناطق أسيا الوسطى أماكن هامة من أجل تحجيم المنافسين العملاقين لأمريكا وهما الصين وروسيا. والتحالف بين روسيا والصين وسورية وإيران يعطي لهذه الأهداف جاذبية إضافية عند الغرب ودفعا باتجاه تغيير النظامين المذكورين.
عودة إلى الدور الخياني لجامعة الدول العربية في خدمة مخططات القوى الغربية، من سخرية القدر أن أحد المبادىء التأسيسية للجامعة يقول "بحماية استقلال وسيادة" البلدان الأعضاء. سورية التي كانت من المؤسسين السبعة الأوائل للجامعة عام 1945، تتلقى اليوم طعنة من الخلف من أعضاء الجامعة بهدف النيل من استقلالها وسيادتها.
لقد تبين أن أعضاء الجامعة من الخليج الفارسي هم أكثر الأعضاء خيانة ومكرا. السعودية وقطر بالإضافة إلى أعضاء مجلس التعاون الخليجي، الكويت، الإمارات وعمان رفعت الصوت عاليا لإدانة ليبيا وسورية وخلق مبررات للعدوان الغربي.
ومن ناحية أخرى، فإن بلدان الخليج هي من أكثر الأنظمة قمعا لشعوبها المطالبة بالديمقراطية. تختلف المسميات، ممالك، مشيخات، إمارات، أو سلطنات، لكنها بلدان تحكم فيها عائلات مالكة رعاياها بقضيب من الحديد.
ما يثير السخرية هو قيام حكام السعودية وقطر المستبدين بحض الحكومة السورية على تقديم المزيد من الاصلاحات السياسية في حين أن تلك البلدان تخلو من أي أصلاحات ومجلرد انتقاد الحاكم الملكي هي جريمة يعاقب عليها القانون.
لكن ثمن دعم الحكام المستبدين للتدخل الغربي في سورية هو الحماية الغربية والدعم من أجل سحق شعوب تلك البلدان. كما يتشارك الملوك السنة مع المخططات الغربية في هدف القضاء على التحالف الايراني – السوري الذي يتمتع بتأييد واحترام شعبي أكبر بكثير في المنطقة إضافة إلى النفوذ وهذه أمور لا يتمتع بها أولئك الملوك.
عدم شرعية تدخل القوى الغربية بالشؤون الداخلية في المنطقة العربية أو أي بلد آخر والتحالف المثير للسخرية مع البلدان العربية المستبدة بهدف تنفيذ تلك المخططات هما أمران يتم التغطية عنها في وسائل الاعلام التي يسيطر عليها الغرب بشكل متعمد بهدف نشر الخدع والأكاذيب. التهليل والتصفيق للأبطال المزعومين، الحكومات الغربية المجرمة وشركائهم الطواغيت العرب، هو أمر أبسط ما يقال فيه وبكل صراحة: نكتة سيئة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
إرسال تعليق Blogger Facebook