فالجيل الرابع من الحروب العالمية الذي يشكل قفزة كبيرة في عالم الصراع والتنافس وفي عالم السيطرة والتأثير الجديد يعتمد اولاً على تقرير معنى الحرب.. فالحرب في النهاية هي: "إرغام العدو على تنفيذ ارادتك" وبكلمة مختصرة الحرب تعني "الإكراه"... والإكراه يقوم على مصادرة إرادة الخصم.. بغض النظر عن الوسائل والأساليب والأدوات المستخدمة في الوصول الى هذه النتيجة.. ولذلك يمكن الوصول إليها دون حاجة الى استخدام جيوش وأسلحة وإنما يمكن الوصول إليها بطرق غير دموية ودون اللجوء إلى استخدام النيران والتعرض للمسائلات القانونية الدولية!!!!
فالسلاح الرئيسي في هذا الجيل الجديد من الحروب هو القدرات العقلية، والقدرات الذكية والعمليات النفسية... وليس القدرات المادية، المتمثلة بالدبابات والطائرات والأسلحة الفتاكة.. وهذا السلاح أقوى أثراً وأوسع مدى وأكثر فعالية...
الأُسلوب المعتمد في المواجهة الجديدة يقوم على مبدأ خلق "الدولة الفاشلة".. فهذا المصطلح يمثل كلمة السر الحقيقية في هذه الحرب، والوصول الى الدولة الفاشلة يحتاج الى خطة وبرنامج.. يعتمد على التعريف الجديد لمعنى "السيادة"... فالسيادة هي قدرة الدولة على التحكم الكامل والشامل بإقليمها.. بمعنى آخر إذا تمت زعزعة استقرار الدولة عن طريق انتقاص سيادتها على جزء من إقليمها فهذه هي الخطوة الاولى نحو تحقيق الهدف بإيجاد الدولة الفاشلة.. حيث يمكن أن تكون هناك مجموعات خارجة عن سيطرة الدولة تحكم قبضتها على مقاليد الامور في بعض اجزائها وعلى بعض جمهورها!!!!
وزعزعة الاستقرار له عدة أشكال ويمكن الوصول إليه بعدة طرق منها أن تصبح دولة "شعوبية"... حيث يمكن استغلال الاختلافات الدينية والمذهبية.. والاختلاف في العرق والأصول والمنابت من أجل اشعال شرارة التعصب، ويكمن الوصول إلى الهدف نفسه بتحويل الدولة إلى مسرح للجريمة.. حيث تكون العصابات والمجاميع المتمردة قادرة على الإخلال بالأمن، وتقويض السلطة المركزية!!!!
وتحويل الدولة إلى دولة فاشلة، لا يحتاج إلى نقل قوات نظامية ولا يحتاج إلى تحريك جيوش وقطع عسكرية... ولكن يمكن استخدام مواطني الدولة نفسها.. ويشترك في هذا المدنيون والرجال والنساء والأطفال... وبالطبع يمكن الاعتماد في هذه الحرب على ما يسمى: "الطابور الخامس"...
يصاحب هذا ضرب الدولة في عدة مناحي...كالعمل على تدمير اقتصادها...وإضعاف مركزها السياسي...واحراجها.. وقيادة حرب اعلامية موجهة ومدروسة ومحكمة... والزج بعناصر خارجية ووكلاء عدة اجهزة مخابراتية لاشعال المواقف في الداخل وتدبير عدة حوادث من شأنها ان تظهر للعامة بصورة طبيعية... بالاضافة بالطبع لعمليات الانهاك المتتالية لقواها الامنية ومؤسساتها بحيث تصبح غير قادرة على التماسك والتخطيط والتصرف!!!!!
وعندما تصبح الدولة فاشلة... تكون مهيأة للتدخل بكل أشكاله ودرجاته... بل تكون الدولة مهيأة لما هو أكثر من التدخل...لأن الهدف المرتكز على شل إرادة الخصم وجعلها غير قادرة على الاستقلال وغير قادرة على اتخاذ القرار الوطني، يجعلها عرضة للارتهان والتدخل والإملاء!!!
فعندما يكون المجتمع منقسماً... وتشتعل فيه الخصومة السياسية حتى تصل إلى درجة العمل على اسقاط الدولة وإفشالها... يكون الجيل الرابع من الحروب العالمية ناجحاً، لأن أدواته جاهزة ومستعدة للعمل!!!!
وهذا النوع من الحروب هو ما ظهر جليا داخل البلدان العربية والإسلامية في إطار ما يعرف بـمشروع الشرق الأوسط الكبير ...عبر زعزعة الأوضاع وضرب أنظمة الدول من الداخل ومنع قيام كيانات متحدة وإشاعة الفوضى.. والفوضى الخلاقة …
وهذا الأمر يؤكده الخبراء العسكريون الغربيون أنفسهم من خلال مجموعة من المؤلفات الأكاديمية.. بل يشكل إحدى النظريات التي تدرس داخل أسوار الأكاديميات والكليات العسكرية... كما يؤكده مقطع فيديو يشرح فيه أكاديمي أمريكي وهو البروفيسور ماكس مانوارينج الإستراتيجية الحربية الجديدة التي توظفها القوى الغربية للسيطرة على العالم...
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=yHV8Fu6gdqU
ويؤكد إن القوات الأمنية لبلاده.. من جيش ومخابرات وقوات خاصة.. توظف خطط واستراتيجيات الجيل الرابع من الحروب... ويكفي تتبع ما يجري بالمنطقة العربية للتأكد بشكل أكبر من التأمر الأمريكي مع أشخاص أو جهات من الداخل لأجل تسهيل عملية إكراه الدول العربية والإسلامية على تنفيذ الرغبة الأمريكية، أحيانا عن جهل تام بالمساعي الحقيقية للجهة التي توفر الرعاية والدعم.. وأحيانا تواطئ دولة بأكملها....
كما ينبغي ربط الجيل الرابع من الحروب مع التطور التكنولوجي الذي يعرفه العالم لآن اضافة للتطور الخفي في هذا المجال، فالتحولات التكنولوجية لها تأثير واضح ولا يخفى على أي أحد اضافة للعوامل الحقيقية التي تقف وراء تغير ملامح الحروب مثل الدوافع السياسية والاجتماعية والاقتصادية.... ولكن الحروب الحالية والقادمة تتأسس على تأثير تطور تكنولوجيا المعلومات واساليب السيطرة والعمليات النفسية والأسلحة المتحكم فيها عن بعد... اضافة لدور المنظمات غير الحكومية وظهور فاعلين جدد عابرين للقارات في شكل شركات متعددة الجنسيات وبعض الحركات الدينية والجماعات المتطرفة.. وعصابات المخدرات.. والتي أصبحت تمارس نفوذا متزايدا في مجال العلاقات الدولية!!!!
كل ذلك من شأنه تدمير كافة أشكال المقاومة.. ليس في مؤسسات الدولة وحدها.. بل تدمير وحدة المقاومة الرئيسية في أي وطن..ألا وهو الانسان ووعيه وأدراكه وقدرته على التمييز والتصرف...
ولذا أقول أن ما حدث في مصر ليس فقط تدمير لأول حجر أساس لمشروع الشرق الأوسط الكبير... لكنه والأهم...إفاقة واعية مبشرة لمقاومة هذا النوع الكارثي من الحروب الخداعية...لكن المطلوب أكثر في المرحلة القادمة...القدرة الفعلية على مقاومة تقنيات السيطرة عن بعد والتي تمارس بالفعل وبكثافة من بداية الثورات العربية!!!!
إرسال تعليق Blogger Facebook