أيقنت الولايات المتحدة بعد سلسلة الانكسارات التي منيت بها في المنطقة بشكل خاص وفي العالم بشكل عام وخصوصاً بعد العام 2005، أيقنت أن الاعتماد على بعض الزعامات العربية التقليدية لم يعد يجدي نفعاً، وأن ما هو مطلوب من هذه الزعامات التي توصف "بالمعتدلة" لن تستطيع تحقيقه إذ لم تعد تملك تأثيراً على شعوبها؛ وأن شعوبها قد تحولت إلى قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أية لحظة؛ وبالتالي فإن نتيجة الانفجار لن تكون في صالح أمريكا أو الكيان الصهيوني، لأن الشعوب العربية ترفض في وجدانها وفي فكرها التبعية المطلقة للهيمنة الأمريكية ومشاريعها في المنطقة خصوصاً منها المتعلق بالعراق والقضية الفلسطينية، إضافة إلى ذلك فإن نشوء نوع جديد من التحالفات في المنطقة غير المؤيدة لأمريكا يجعل مع الوقت مستقبل المنطقة يسير بعيداً عن مصالح أمريكا شيئاً فشيئاً.
عملت الولايات المتحدة وعلى مدى سنوات عديدة على استمالة العديد من دول أوروبا الشرقية من خلال مغريات عدة؛ منها الدخول في الاتحاد الأوربي بما يعنيه ذلك من مساعدات ودعم غير محدود، أو إلى حلف الناتو، ونجحت على مدى سنوات في ذلك نتيجة للضخ الإعلامي والحرب النفسية التي شنتها وسائل الإعلام الغربية على النظم الشيوعية، إضافة إلى تصرف حلف الناتو بشكل عنيف وبالتدخل العسكري في دول لم ترضخ أو تنساق إلى الخطط الغربية وخير مثال على ذلك يوغوسلافيا وما حصل فيها إضافة إلى كوسوفو.
ثم انتقلت في وقت لاحق إلى تنفيذ سيناريو افتراضي وضعته مراكز الحريات الأمريكية وفي مقدمتها المؤسسة المعروفة باسم "فريدوم هاوس Freedom House" وقامت بتطبيقها ونجحت فيها في دولتين على الأقل هما أوكرانيا وجورجيا في العام 2003.
جاء ذلك في الفترة الزمنية من عام 2001 إلى العام 2003 الذي تميز بعنف وطغيان المشروع الأمريكي لبوش بما فيه من احتلال دول (أفغانستان والعراق) وإسقاط حكومات موالية لروسيا مثل جورجيا وأوكرانيا.
ما الذي حصل في الدول العربية؟
بالانتقال إلى الوضع العربي فلم يكن خافياً على الإدارة الأمريكية كما قلنا، بأن زعماء دول الاعتدال العربي وصلوا إلى نهاية مشوارهم السياسي في بلادهم بخسارتهم كل ما كانوا يحتمون به أو يدعونه..ولكن ما هو السيناريو الذي وضعته مراكز دراسات الحريات وما الذي طبقته وما الذي كان مطلوباً من التحركات الشعبية في مصر.
سيناريو الثورات الشعبية:
عملت مؤسسة فريدوم هاوس على دعم برنامج الحرية والديمقراطية في مصر وذلك بتجنيد شباب مصري للقيام بتحرك شعبي "يمكن السيطرة عليه مستقبلاً" ويمكن استثماره في الضغط على الرئيس المصري وعلى الرئيس الذي سيأتي بعد الرئيس المصري؛ وهو الافتراض الذي وضعته الإدارة الأمريكية لاتجاه التحركات في مصر..طبعاً لم ينجح هذا المخطط بسبب انحياز الشارع المصري والشعب المصري إلى مطالبه الحقيقية، ثم جرى ما جرى وما نراه اليوم من محاولة للالتفاف على الثورة المصرية.
من هي مؤسسة Freedom House:
أسست منظمة فريدوم هاوس ذات الصلة الوثيقة بجهاز المخابرات الأمريكية في عام 1941 م بدعم مباشر من الرئيس الأمريكي وقتها فرانكلين روزفلت؛ وكان دعم الرئيس روزفلت لهذه المنظمة المشبوهة جليا حين جعل على رأسها زوجته ألينور روزفلت بالاشتراك مع المحامي القريب منه والداعم هو الآخر للمشروع الصهيوني ويندل ويلكيلي الأب.
وكان الهدف "المخابراتي" من تأسيس تلك المنظمة المشبوهة فريدوم هاوس هو مكافحة "التعسف السوفيتي" وهو الاسم الذي كان يستخدم وقتها لمكافحة الشيوعية طبقا للخطة التى وضعتها (CIA) ومع تصاعد قوة اللوبي الصهيوني في أميركا مع انتقال الرأسماليين الصهاينة الكبار والمنظمات والمؤسسات المالية والمصرفية من بريطانيا وأوروبا إلى أميركا، تبعا لانتقال مركز القوة العالمي إلى واشنطن في نهاية الحرب العالمية الثانية، سيطر اللوبي الصهيوني على فريدوم هاوس وسخرها لمصلحة الأميركيين في العلن ولمصلحة إسرائيل المتطابقة دوما مع الرضى الأميركي، بما له من إمتداد ديني وعقائدي داخل النخبة السياسية والثقافية في أوروبا الشرقية وفي الاتحاد السوفيتي تحت مسمى سياسة الاحتواء.
ويبدو دور المخابرات الأمريكية والمنظمات الصهيونية في إدارة وتوجيه منظمة فريدوم هاوس واضحا بقوة ولا يحتاج إلى أي ذكاء أو عبقرية سياسية، فيكفي أن نذكر أن مجلس أمنائها الحالي يضم بين صفوفه:
أنتون ليك (Anthon Lake) وهو مستشار "الأمن القومي" للرئيس الأمريكي بيل كلينتون من عام 1993م حتى عام 1997م.
كما يضم أيضا ويندل ويلكي الإبن (Wendell Willki) مستشار الرئيس الأمريكي رونالد ريجان لشؤون "الأمن القومي" كذلك.
أما عن رؤساء هذه المنظمة فمعظمهم -أو كلهم- كان على علاقة وطيدة ومباشرة بجهاز المخابرات الأمريكية ونخص بالذكر:
- بيتر آكرمان "يهودي" الذي تولى رئاسة المنظمة وأشرف بنفسه على التخطيط والتدبير لما يسمى الثورة البرتقالية في أوكرانيا والوردية في جورجيا.
- بيتر آكرمان هو صاحب اختراع لعبة فيديو شهيرة تعرف باسم قوات أكثر نفوذ أو كيف تهزم الديكتاتور، وهذه اللعبة وزعت على من يطلق عليهم "الثوار" في كلا من جورجيا وصيربيا وأوكرانيا!!
ومن أبرز رؤساء فريدوم هاوس جيمس ولسي "يهودي صهيوني متعصب" رئيس الـ(CIA) السابق وعضو مركز سياسات الأمن الذي يقوم بالترويج لحزب الليكود الصهيوني اليميني المتشدد، وولسي عضو أيضا بالمعهد اليهودي للأمن القومي وهي مؤسسة عسكرية تسعى للتعاون العسكري بين أمريكا والكيان الصهيوني، كما قام ولسي في عام 2003م بالتبرير الفكري لحرب احتلال العراق.
تتعاون هذه المؤسسة مع العديد من منظمات المجتمع المدني المعروفة اختصاراً بالـ NGOS ونذكر هنا أن أهم منظمة من هذه المنظمات والتي كانت فاعلة على الأرض في مصر من خلال تنفيذ مشاريع المساعدات الأمريكية لمصر مؤسسة USAID والتي كانت تخصص جزء من المساعدات من أجل برامج دعم الديمقراطيات والحريات في مصر.
من يمول فريدوم هاوس؟
تتلقى المؤسسة تمويلها من قبل جورج سوروس الملياردير اليهودي عضو "منظمة تنمية إسرائيل" وهو الذي موّل الثورتين الجورجية والأوكرانية، ومن قبل هيئة الوقف القومي للديمقراطية (مؤسسة حكومية أمريكية).
ما الذي أنجزته Freedom House؟
على ما صرح به مسؤولو فريدوم هاوس فقد نجحت المؤسسة في تحقيق العديد من الإنجازات نذكر منها:
1- في بولندا لعبت فريدوم هاوس كما اللوبي اليهودي الصهيوني دورا هاما جدا في دعم النقابات وفي اسقاط النظام الشيوعي؛ لا حبا بالشعب البولندي بل كراهية للاتحاد السوفياتي.
2- احتلال العراق وتقسيم العراق إلى دويلات كان مشروعا مولته فريدوم هاوس تفاصيله في كردستان وفي الجنوب الشيعي عبر عملائها، ولكن مصالح الأتراك منعت الأميركيين من الذهاب بعيدا في المشروع حتى الآن، ولا أحد يعرف ما الذي يحمله المستقبل .
3- دعم متطرفي الأقباط للمطالبة بدولة عنصرية لهم على أراضي مصر، ودعم ومساندة كل صديق للكيان الصهيوني.
4- الثورة البرتقالية في أوكرانيا.
باختصار
إن نظرة عميقة لهذه الوسائل والتي نشرت في كتاب How to Gain Freedom في العام 2000 تبين أن ما جرى في كل من تونس وليبيا ومصر واليمن وغيرها من الدول العربية يندرج ضمن الوسائل السالفة الذكر، وأن ما تشهده الساحة العربية وإن كان يوجد ما يبرره عمليا على الساحة؛ إلا أنه لا يجب أبدا أن نغفل دور الغرب ومؤسسات ومنظماته في مثل هذه الأحداث الكبرى.
إرسال تعليق Blogger Facebook