ينظر الكثير من البرازيليين إلى قيادة الدراجة على أنها وسيلة نقل للفقراء فقط، لكن عددا متزايدا من الناس يقبل على التنقل باستخدام. أستاذة تنمية حضرية في جامعة باران تعرفنا بتحديات ركوب الدراجات في مدن البرازيل.
مشهد غير عادي ليلة الجمعة في إحدى الحدائق وسط مدينة كوريتيبا البرازيلية جنوبي البلاد: سيدة تجلس على دراجة جبلية، وهي تحاول جاهدة الحفاظ على توازنها، وبجانبها رجل شاب يمسك بالدراجة كي لا تسقط، وهو يقوم بدفع الدراجة، لتتمكن السيدة أخيرا من القيادة، لتتعالى هتافاتهما المتحمسة.
كريستينا دي أراوخو ليما تبلغ من العمر 58 عاملا، وهي تريد أن تتعلم قيادة الدراجة. وهي لم تركب دراجة لأكثر من نصف قرن.
إلا أن ذلك لم يحل دون مشاركتها في تنظيم إحدى أكبر الفعاليات للترويج لاستخدام الدراجات الهوائية في كوريتيبا. وتحمل هذه الفعالية التي تقام سنويا اسم "
DesafioIntermodal"، وهي عبارة عن سباق بين وسائل النقل المختلفة وعلى رأسها الحافلات والدراجات. وفي إطار السباق يتم تحديد مسافة محددة تقطعها وسائل النقل المختلفة، ليظهر من خلال السباق أي الوسائل كوريتيبا هي الأفضل، وحتى الآن كان الفوز دائما من نصيب الدراجة.
أفكار عالمية أجرت الحوار التالي مع أستاذة العمارة والتنمية الحضرية في جامعة باران، كريستينا دي أراوخو ليما، لماذا هي في حاجة إلى تعلم قيادة الدراجة مرة أخرى، وكيف تشعر وهي تتحرك على ظهر الدراجة عبر شوارع مدينة برازيلية كبيرة.
أفكار عالمية:
هل ينتابك الخوف في البرازيل عند قيادتك للدراجة داخل المدينة؟ كريستينا دي أراوخو تتطلع إلى مزيد من الدروس الخاصة بقيادة الدراجة كريستينا دي أراوخو ليما: نعم، فالكثير من سائقي السيارات يتصرفون بعدوانية شديدة تجاه راكبي الدراجات، لذا تقع الكثير من الحوادث. على قائد الدراجة أن يكون حذرا جدا. في كوريتيبا تمثل الدراجة نحو ثلاثة في المائة من مجموع وسائل النقل الفردية، وأكثر من 60 في المائة من الناس هنا يستخدمون وسائل النقل العامة، أما أكثر من ربع السكان فيعتمد في تنقله على السيارة. ويستخدم الكثير من راكبي الدراجات هنا المسارات المخصصة للحافلات، حيث لا توجد مسارات خاصة بالدراجات. لكن سائقي الحافلات كبيرة الحجم لا ينتبهون دائما وبالسرعة اللازمة لوجود دراجة على المسار، فتقع الحوادث.
تكتسب وسائل النقل العام في مدينة كوريتيبا مكانة هامة، ويتم دعمها أكثر من غيرها. أما في المدن الصغيرة فالناس يستخدمون السيارات والدراجات بشكل أكبر. وبالإضافة إلى الخوف من الحوادث المرورية، هناك مخاوف أخرى من حوادث السطو. أنا مثلا أسكن على بعد ثماني كيلومترات من الجامعة، والطريق إلى هناك مزدحم بالسيارات ولا توجد به مسارات خاصة بالدراجات. كما أن الطريق يمر بأحد الأحياء العشوائية. وإذا كان المرء مثلي غير متمرس في قيادة الدراجة، فإنه سيعيد التفكير إذا كان سيذهب إلى العمل بالدراجة أو بوسيلة نقل أخرى.
تلقيت الآن أول درس في قيادة الدراجة، هل تشعرين ببعض الأمان الآن؟ بالتأكيد، فانا أتعلم بجانب الحفاظ على التوازن، كيفية إعطاء الإشارات لسائقي السيارات. أريد في المستقبل أن أستخدم الدراجة أكثر، ورئيسي في العمل خوسيه بيلوتو يحاول منذ سنوات إقناعي بالقدوم إلى مكان العمل بواسطة الدراجة. لكن سأبدأ أولا بأيام الأحد، ففيها يتم إغلاق شوارع كوريتيبا جزئيا أمام حركة السيارات، وتنتشر الدراجات على الطرقات. ربما سيمكنني في وقت لاحق استخدام الدراجة أكثر في حياتي اليومية، لكن الوقت مازال مبكرا بالنسبة لي حاليا.
لقد تعلمت بالفعل ركوب الدراجة وأنت في سن السادسة، وكنت في كثير من الأحيان تقودين دراجتك بصحبة والديك عندما كنت طفلة. كيف نسيت قيادة الدراجة، وهناك قول شائع مفاده إن قيادة الدراجة لا يمكن أن تنسى أبدا؟ هذا صحيح، أنا لم أنس كل شئ تماما، وأستاذي أيضا فوجئ تماما بأنني تمكنت من الحفاظ وحدي على توازن الدراجة منذ أول درس لي. لكن مازلت أشعر بأنني بحاجة إلى التعود مجددا على الدراجة.
عندما تعلمت ركوب الدراجات، كان هناك عدد أقل من السيارات في مدينة كوريتيبا، وكانت الشوارع هادئة وكنت أتنقل كثيرا على ظهر الدراجة، ووصل بي الأمر إلى أنني منحت دراجتي اسما وهو: "برنارديني".
أما في الشوارع المزدحمة كما في الوقت الراهن، فيجب على المرء التمرن بشكل صحيح، قبل أن يقدم على قيادة الدراجة وحده.
كيف كان شعورك وأنت تجلسين بعد كل هذه السنوات الطويلة على الدراجة؟ في العام الماضي كنت في باريس أقضي إجازتي لدى أصدقاء لي هناك، وهم أرادوا أن نقوم معا بجولة على الدراجات عبر المدينة. وعلى الرغم من أنني لم أقد دراجة منذ فترة طويلة، لكنني اعتقدت أن كل شئ سيكون على ما يرام.
ولقد تمكنت من التحرك بالدراجة للأمام، لكن لم يكن لدي على الإطلاق أي إحساس بالتوازن، ولم أكن أعرف كيف يمكنني أن أعطي إشارات لسائقي السيارات، كما لم أتمكن من الانعطاف في الزوايا الضيقة.
لهذا السبب أنا سعيدة يتلقي دروس القيادة هنا لدى فرناندو الذي علمني مرة أخرى كل شيء من الصفر. خلال الدرس الأول أحرزت تقدما ملحوظا، وكنت مندهشة للغاية، وساهم ذلك في تحفيزي لمتابعة الدروس.
معظم البرازيليين يفضلون استخدام السيارة للتنقل من مكان إلى آخر. وخلال العقد الماضي ارتفع عدد السيارات في البرازيل إلى أكثر من الضعف. ومع ذلك، يبدو أن اعدادا متزايدة من الناس تتجه إلى استخدام الدراجة حتى في المدن الكبيرة مثل كوريتيبا التي تعتبر غير ملائمة لذلك بسبب طبيعتها الجبلية. ما الذي يتوجب القيام به لمواصلة تعزيز استخدام الدراجات؟ وفقا للأرقام الصادرة عن المنظمة الوطنية لوسائل النقل العام (
ANTP)، فإن نسبة قليلة فقط من الناس تستخدام الدراجة حاليا. في ساو باولو على سبيل المثال تبلغ النسبة واحد في المئة فقط من السكان. في البرازيل بشكل عام تعتبر السيارة رمزا للمكانة الاجتماعية الرفيعة، حتى أن بعض الناس يفضلون شراء سيارة بدلا من الاستثمار في شقة أو منزل لائق. وبالإضافة إلى ذلك، فإن القوة الشرائية للبرازيليين تنمو طبقا للوضع الاقتصادي الجيد، وهذا هو السبب وراء تمكن أعداد متزايدة من الناس من اقتناء سيارة. لكن من البديهي أن البنية التحتية إذا لم تكن مناسبة، فلن يتمكن الناس من استخدام الدراجات في تنقلاتهم.
ومع ذلك، فإننا نجد هنا في كوريتيبا بشكل خاص أن هناك إقبالا متزايدا على قيادة الدراجات، حيث يتم بناء مسارات الدراجات، وهناك أيضا أماكن آمنة لايقاف الدراجات، كما أن عدد ورش الدراجات تتزايد بدورها.
فرناندو روزنباوم يقدم دروسا في قيادة الدراجة عدة مرات في الأسبوع لكننا بالإضافة إلى ذلك بحاجة أيضا إلى المنظمات التي تعمل من أجل حقوق راكبي الدراجات، وينبغي للسياسة أيضا أن تدعم من جانبها تلك الحقوق. لقد قام عمدة كوريتيبا في أول يوم عمل له بالقدوم إلى مكتبه على دراجة إلى قاعة المدينة، وقد حذا بقية الموظفين حذوه، وكان ذلك بمثابة رسالة إيجابية واضحة إلى سكان المدينة.
أعتقد أن الدراجة ستصبح جزءاً رئيسياً من حياة الناس وهناك إقبال كبير عليها بالفعل. كما أن هناك الكثيرين من الأشخاص الذين يمتلكون كاريزما خاصة ويتسخدمون الدراجة في كوريتيبا، وهنا يحضرني على الفور “رجل الزيت” وهو رجل غالباً ما يرتدي فقط ملابس البحر ويغطي جسمه الكثير من زيت الشمس ويدور على دراجته عبر كوريتيبا.
هنا في كوريتيبا، لا يزال هناك سباق ديسافيو انترمدال السنوي، كما تعقد أيضا كل آخر يوم جمعة من الشهر مسابقة بيسيكليتادا، حيث تقوم مجموعة من حوالي 50 شخصا بجولة في مدينة كوريتيبا تهدف إلى الدعاية لفكرة التنقل باستخدام الدراجات. هذه الحركة متوفرة أيضا في كثير من المدن الكبيرة الأخرى في البرازيل، مثل ريو دي جانيرو وساو باولو وبورتو أليغري، وهذه الحركة مستوحاة من حركة دولية تدعى: "الكتلة الحرجة".
ماذا عن بقية مناطق البرازيل، وهل هناك المزيد من الفعاليات والأنشطة الداعمة للدراجة كوسيلة من وسائل النقل؟ هناك العديد من النشطاء والجماعات الذين يعملون من أجل الترويج للدراجة كوسيلة من وسائل النقل، وأول الناشطين بدأوا نشاطهم قبل عشر سنوات لتعزيز قيادة الدراجة، لكنهم قوبلوا بالرفض بل وتم تجريمهم في بعض الأحيان. وفي كوريتيبا على سبيل المثال، قام ناشطون في عام 2007 بإنشاء ممر للدراجات بأنفسهم كتعبير عن الاحتجاج. ثم توجب عليهم بعد ذلك دفع غرامة مالية عالية، ومثل هذه الأحداث وقعت أيضا في غيرها من المدن البرازيلية الكبرى.
أعتقد أن هناك مشاريع تقوم على أفكار جذابة، من بينها مشروع "ركوب الدراجات الى العمل"، والذي أطلقته منظمتان، الأولى هي منظمة "
Rodasda Paz" أو "دراجات السلام"، أما الأخرى فهي"
BikeAnjo" أو"ملاك الدراجات "، وهم يقومون كل يوم بقيادة الدراجة للعمل، ويحاولون تحديد يوم مخصص في الشهر يذهب فيه الجميع للعمل بدراجاتهم، ومن المقترح أن يكون الجمعة الثانية من كل شهر. كما أن المنظمتين تعملان في كثير من المدن الكبيرة في البرازيل لبناء ورش جديدة للدراجات، وأيضا المراكز الثقافية التي تقدم دروس قيادة الدراجات.
ففي العاصمة برازيليا، هناك متطوعون يقومون بمرافقة من لا يجدون في نفسهم الجرأة اللازمة لقيادة الدراجة حتى مكان العمل. وبخلاف كل ذلك، هناك العديد من الفعاليات الصغيرة والمبادرات الثقافية التي ينفذها أشخاص ملتزمون. كذلك قام بعض راكبي الدراجات المستقلين بوضع خرائط سجلت عليها أفضل الطرق لركوب الدراجات، ويمكن استخدامها بالرغم من عدم وجود ممرات خاصة بالدراجات. والآن هناك كذلك جولات للتعرف على معالم المدينة السياحية على الدراجة، وهذا يعد فعلا تطورا كبيرا للغاية.