" مادة الأثير " من أخطر الموضوعات التي وضع العلم يده عليها.... وتنبع هذه الاهمية من حقيقة ما تمثله هذه المادة من الناحية الجوهرية ..ومن دورها الخطير الذي يستدعي حضورها في كل الموضوعات التي تصدى لها العلم الروحي الحديث .... فالأثير ليس مادة يمكن استبعادها ..بل هي المادة الأساسية في بناء منسوج الكون , وهي تقوم بدور أجّل شأناً وأبعد مدى مما يعتقد كثير من الناس...
إن الأثير مادة تملاء ما بين السماء والأرض , وما بين النجوم والكواكب ..وتتخلل كل الاجسام وكل الاشياء , وأبعد من ذلك فهي حقيقة كل تلك الاجسام وتلك الاشياء. ونحن حين نسدد النظر في الفضاء الفسيح الذي بدو لأعييننا القاصرة فراغاً ,فإنما نسدده إلى ذلك الإثير الذي يملأ الأكوان على ما يقول " كلارك مكسويل " , وهو من كبار علماء الطبيعة " إننا لن نعتير الآن تلك المناطق الواسعة الكائنة بين الكواكب وبين النجوم أماكن خاوية في الكون . إنها فعلاً ملأى بهذا الوسط العجيب , وهي من الامتلاء به بحيث لا تستطيع قوة بشرية أن تقصيه عن أصغر جزء من الفضاء , وأن تحدث أدنى نقص في إتصاله غير المتناهي"...
وعدم خضوع هذه المادة لحواسنا , إنما يعود لارتفاع سرعة اهتزازنا ... وهي مادة كاملة كما يراها عالم الفيزياء والطبيعيات الشهير "أوليفر لودج " , ولم تتكشف له عن أي أوجه للنقص , بينما المادة الصلبة ذات أوجه نقص متعددة...
ويلعب الاثير دور الوصل بين العقل والروح والمادة . وبحسب "لودج" فإن الحياة اولعقل يتحاجان إلى أداة يظهران بها أو يتجليان فيها ,لكن هذه الأداة لا يجب أن تكون مادة , بل قد تكون الأثير نفسه ... بمعنى إن الحياة والعقل ليسا مرتبطين بالمادة ارتباطاً مباشراً بل إنهما يملكان العمل عن طريقهما بشكل غير مباشر خلال اتصالهما الأوثق صلة بمركبة أثيرية تشكل الأداة الحقيقة لهما ..أي بجسد أثيري بالاشتراك معهما ويتحكم في المادة...
فالأثير إذن هو المادة المشتكرة بين عالمي الروح والمادة , وكلاهما موجود داخلها...
وفي اعتقادي الشخصي.. اطلعت في عدة ابحاث على تصوير الجسد الاثيري بالآشعة تحت الحمراء اثناء صعوده من الجسد في مرحلة معينة من مراحل النوم.. وهو يماثل في الشكل العام نوعا ما جسد صاحبه دونما المادة.. ويظل مرتبطا بمنطقة العنق بما اطلق عليه العلماء "الحبل الاثيري" والذي يماثل ارتباط الجنين بالحبل السري بأمه... وتولد لي الاعتقاد ان الجسد الاثيري هو ما أشير له في القرآن بقوله تعالى "وكلٌ ألزمناه طائره في عنقه".. وان هذا الجسد الاثيري ينقطع اتصاله بالجسد المادي في حالة الموت وانقطاع الحبل الاثيري... ويكون الانسان في حالىة وفاة مؤقته اثناء النوم لصعود جسده الاثيري جزئيا وانفصاله عن جسده المادي مؤقتا.. وهذا ما عناه الله تعالى "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار" والله تعالى اعلم... لكن من المدلل عليه ان الجسد الاثيري عند تحرره من المادي يتحرر ايضا من قوانين العالم المادي وابعاده.. ومنها الزمن.. ورؤيا ما لا نراه خلال الوعي المادي...
ومن العلماء الأوائل الذين تحدثوا عن هذا الجسد الاثيري الطبيب الألماني "جوهان يونج" الأستاذ بجماعة " ماربورج " الذي اعتبر أن المغانطيسية الإنسانية تثبت بلا نزاع أننا نحوز إنساناً داخلياً . وقد إعتبر أن مادة الضوء أو الأثير هي العنصر الذي يربط الجسم والنفس والعالمين الروحي والمادي معاً.
ولكن الفضل يعود إلى العالم الروحي في كشف النقاب عن الجسد الأثيري من خلال دراسة الظواهر الروحية المختلفة , حيث أوضح أن لكل كائن حي جسداً غير مادي هو الجسد الأثيري , والذي يعتبر صورة كاملة ونسخة مطابقة للجسد المادي خلية بخلية وبصمة ببصمة . والجسدان الأثيري والمادي متحدان بتطابق كلي . والنتائج التي تمخضت عنها كافة الدراسات والأبحاث الروحية تبين أن الجسم الأثيري هو الجسم الحقيقي في الواقع , وأن الجسم المادي ليس سوى التعبير الخارجي والمظهري له , وهذا الأخير ليس ضرورياً إلا في الحياة الأرضية , لما تفرضه طبيعة الحياة هذه من مستوى منخفض من الوجود...
وثمة وظيفة إخرى للأثير , فهو الذي يمنح أي جسم مادي شكله وتماسكه , لأن المادة الصلبة من أخص خصائصها الثصور الذاتي , وهي عاجزة أن تعطي نفسها شكلاً أو صيغة محددة , وهي لا غاية لها ولا هدف حتى في خضوعها للقانون....
والصحيح أن نقول إن الحياة في كل مادة لها غرض معين . وهذا المعنى أوضحه " أوليفر لودج " بقوله :" إن الجزئيات التي تكون أية كتلة عادية من المادة متماسكة فيما بينها عن طريق قو للتماسك والارتباط والجاذبية . فجسم المادة الذي نمسكه ليس هو كل جسمها بل ينبغي أن يكون له مقابل أثيري كيما يسمك بين أجزائه , وهذا المقابل الاثيري هو المزود الحقيقي بالحياة عند الكائنات الحية ."
ويواجهنا السؤال التالي : هل الجسم الاثيري خاص بالانسان ؟
لقد أوضحت البحوث العملية أن لكل شيء موجود شكله الأثيري أو مقابله الأثيري , فهو قرينه أو قالبه . فاليقرة والشجرة والكرسي وكل شيء له مقابل . وهذا المقابل هو النسخة الأصلية التي تدفع فيه الحياة والشكل.
ويُعتبر الجسم الأثيري حامل الوعي والإحساس , أو هو مصدر القدرة على الإحساس التي كانت تعتبر فيما مضى من خصائص الجسد المادي , وهذه القدرة تعود في النهاية إلى العقل الذي هو شيء فوق الأثير...
وينتج عن ذلك أنه عندما يتخلى الإنسان الداخلي عن الكون الخارجي , كما عبر عن ذلك الطبيب الألماني " جوهان يونج " يقع الجسد في حالة من الغيبوبة , وفي هذه الحالة تعمل الروح بطريقة أكثر حرية وقوة , فترتفع فيها كل قدراتها بعد أن كان يعوقها ارتباطها بالمادة ...
ونجد أنفسنا الآن في السؤال عمّا إذا كان الجسم الأثيري يغادر مقابله المادي حقيقة؟؟؟؟
أجاب العلم على ذلك بعد أبحاث طويلة بالإيجاب , وحدد المناسبات التي تحدث فيها مثل هذه المغادرة .
ومثلما اوضحت...فقد يحدث في بعض حالات النوم , وعمليات التخدير الجراحي . وحالات الغيبوبة المغناطيسية ... وحالات الرعب الشديد أو الألم الذي لا يطاق .. كما يحدث في مرحلة من مراحل "التعبد التام لله".. أن بنسل المقابل الأثيري حاملاً معه الإحساس والوعي ويبقى على صلة بالجسم المادي عن طريق حبل يسمى " الحبل الأثيري" أو ( الحبل الفضي) كما سماه ايضا بذلك العهد القديم... ودلله وصوره العلم الحديث...
ووالموت ليس سوى خروج الجسم الاثيري من غلافه المادي ومغادرته نهائياً عن طريق انقطاع هذا الحبل الذي هو الفاصل بين الحياة والموت....
ومن خصائص الجسم الأثيري استقلاله عن الحوادث التي تطرأ على الجسم المادي ويعود الفضل في معرفة الكثير عن هذا الموضوع إلى جهود العلماء في الاتحاد السوفياتي. فقد إخترع أحدهم , وهو " سيمون كيليريان" وزوجته جهازاً للتصوير ذا سرعة تردد عالية جداً , بإماكانه تحويل الظاهرة غير الكهربية إلى ظاهرة كهربية , حتى تصبح خاضعة لتصوير . وسمي هذا الجهاز باسم " جهاز كيليريان" نسبة إلى مخترعه . وبفضل هذا الجهد تم تصوير شكل أثيري مطابق لورقة شجرة ثم سحبت الورقة وأحدث فيها قطع أو بتر بزاوية حادة , ثم إعيدت للتصوير فتبين أن الشكل الأثيري للورقة مازال كاملاً كما هو ولم يتأثر بعملية البتر التي حدثت للروقة . وبالاحرى لنسختها المادية الخارجية...
وهذا ما كشف اللثام دفع واحدة عن كل ما أثير من تساؤل وعجب من ادعاء أصحاب الأعضاء المبتورة . استمرار ؟إحساسهم بالعضو المبتور , حيث كان هؤلاء يصرحون بأنهم يتألمون في موضع الأعضاء المبتورة , بل ويتأثرون بما يلامسها من برودة أو حرارة . ولقد أصبح مفهوماً الآن أنه إذا ما بترت رجل أو ذراع فإن الذي يبتر هو العضو المادي فقط , أما مقابله الأثيري فيبقى في مكانه رغم بتر مقابله...
وكان قد اهتم بهذه المشكلة كثير من العلماء والأطباء منهم الفيلسوف الأمريكي " وليام جيمس " الذي قام بإجراء بحث على 285 شخصاً من ذوي الاظراف المبتورة . وهو يقول بعد ذلك : " إن الإحساس بوجود العضو المبتور يظل بعد عملية البتر لمدد متفاوتة , فقد ظل شيخ في السبعين من عمره يشعر بوجود فخذه المبتورة منذ كان في الثالثة في عمره , بنفس القوة والوضوح اللذين يشعر بهما بوجود فخذ الأخرى "....
وقد بحث العالم الإيطالي أرنستو بوزانو هذه المسألة في مؤلف له عنوانه : " ظواهر إزدواج الأعضاء " وهو يرى أن الشعور بالعضو الشبح قد يكون كاملاً أحياناً , ولكنه يكون في الغالب أقل من غيره...
ولعل أكثر النتائج بروزاً لاكتشاف الجسد الأثيري تلك التي تمت ضمن مفاهيم علم النفس التقليدي على يد أبرز رجاله , جوستاف يونج , وهو أحد الثلاثة الكبار الذين نهض على سواعدهم علم النفس الحديث ( والآخران هما وليام مكدوغال , ووليام جميس) لقد إستعمل " يونج " في التعبير عن الجسد الاثيري وصفاً مازال مشهوراً وهو " the archetypal" أي النموذج , مشيراً إلى أن هذا الجسد الاثيري ليس سوى نسخة الأصل بكامل تفاصيلها ودقائقها عن الجسد المادي, وأن هذه النماذج المطابقة لا نشعر بها ولكنها خضعت للاختبار عوامل تلقائية , وأنه في النظريات القائمة على هذا النموذج أو المثال المطابق تتواجه الروح والمادة على المستوى الروحي , فالمادة اسوة بالروح , تبدو في مملكة النفس ذات صفات متميزة . ونتيجة لوجود نفس مرتبطة بالمادة يجب أن نذكر القارىء بوجو د ظواهر روحية لا يقدر قيمتها الحقيقية إلا أؤلئك الذين أتيحت لهم فرصة الاقتناع بها عن ملاحظة شخصية ...
أما وليام مكدوغال , فقد بات يفضل استعمال تعبير الجسد الاثيري بدلاً من الحديث عن العقل الباطن.
وقد عُرف الجسد الاثيري تحت أوصاف متنوعة وأسماء متعددة , تبعاً لصفاته , فقد اطلق عليه إلى جانب ما ذكرت : الجسد الحيوي corps vital , والجسد الهيولي fluidique , والجسد الوسيط intermediaire نظراً لدوره كوسيط بين العقل والمادة , والجسد الشبح fantome وفي المراجع الفرنسية perisperit .
ومن الحقائق الخطيرة التي نتجت عن اعتبار الجسم الأثيري حامل الشعور , ومصدر الأحساس , أنه بات علينا ألا ننظر إلى الحواس الخمس كمصدر لهذا الإحساس , بل الأحرى أنها أدوات الإحساس التي يستعملها المصدر , أو الطاقة المشتركة الموجودة في الجسم الأثيري , والتي تعمل عن طريق العين فتسمى إبصاراً , وتعمل عن طريق الأذن فتسمى سمعاً , وهكذا . وقد تعمل خارج أية حاسة فتسمى عند ذاك : " إدراكاً خارج الحواس " . وهذا مفتاح الكثير من القدرات غير العادية لبعض الناس , كالرؤية عن طريق اللمس مثلاً وتميز الألوان , بل والقراءة عن طريق وضع الأصابع كما فعلت ذلك " نليا ميخائيلوفا " في الاتحاد السوفياتي ...
وقد أثبتت هذه الأخيرة دعواها بقدراتها على الرؤيا عن غير طريق العين في المؤتمر الإقليمي لرابطة السيكولوجيين الذي عقد في " فاجيل " عام 1962 ثن في موسكو في مختبرات جامعة العلوم . فقد كان باستطاعتها تحديد الالوان, ورؤية الصور الظاهرة على الطوابع البريدية من غير طريق النظر . وكتب عنها الدكتور غريغوري رازاران ما يلي " هذا نموذج من الظواهر التي يرفض الإنسان غرزياً تصديقها , غير أنني توصلت إلى رأي حاسم بصدد الرؤية غير البصرية ... إنها اكتشاف حقيقي " ( كتاب الحاسة السادسة لـ شيلا أوستراندر)
على أنه يبقى رغم اتساع الأفق التي قاد إليها الأثير أنه حسم أهم مشكلة واجهت العقل الإنساني , وأعني مسألة الخلود . ففي الموت يتحرر المقابل الأثيري أو الإنسان الحقيقي من ردائه الخارجي ليعود هذا الأخير وينحل إلى عناصره الطبيعية , في حين ينتقل المقابل الأثيري إلى وسطه الجديد ..ليتابع مصيره ...
ولن ننهي موضوع الأثير قبل أن نتاول موضوعاً متمماً له وهو موضوع الهالة البشرية وتمثل هذه الهالة المحيط الخارجي للجسم الاثيري, إلا أنها تمثل رتبة في الاهتزاز أعلى منه , وتعتبر نافذة هذا الجسم التي يمد من خلالها صلاته مع العالم الروحي...
وأفضل الأبحاث التي جرت على موضوع الهالة البشرية تلك التي أجراها العلماء في الاتحاد السوفياتي . وقد أعلن أحدهم ويدعى " غوليائيق" عن تصميم جهاز خاص للتصوير أنجزه فريق الابحاث الذي يشرف عليه . وورد في كتابه " الحاسة السادسة " أن " باستطاعة هذا الجهاز أن يكشف ويسجل الهالة الأنسانية والهالة الحيوانية , وطبقاً للبيان الذي نشرته الصحف السوفياتية تتمثل الهالة التي اكتشفها غوليائيف في حقل كهربائي معقد يكتنف الجسم ويغلقه كأنه قرينه " ( نفس المرجع السابق ص 950)..
ويضاف إلى جهود " غوليائيف جهود " سيمون كيليريان " في اكتشاف أجهزة التصوير الخاصة التي سبق الكلام عنها . ولكن الأبحاث الرائدة في موضوع الهالة يعود تاريخها إلى ما قبل ذلك. فقد قام الدكتور "هارولد بور " أستاذ تشريح الاعصاب بجامعة " يال " بأبحاث نتذ عام 1953 , أثبت فيها أن كل المادة الحية بدءاً من الحبة وانتهاء بالإنسان تحيط بالجسم البشري ضرباً من القالب الالكتروني . وكلما تجددت خلايا الجسم , سعى حقل القوة هذا إلى أن تأخذ الأنسجة الجديدة القالب المناسب....
أما عن طبيعة الهالة البشرية , فهي عبارة عن إشعاعات ضوئية وذبذبات كهرومغناطيسية منبعثة من جسم الإنسان , وهي ذات ألوان متعددة بما يعكس شخصية الإنسان , وعواطفه وميوله ورغباته , ومستوياته الخلقية والعقلية والصحية , إذ أن كل لون يمثل اتجاهاً معينناً . ولهذا كان المهتمون بالعلاج الروحي - خاصة - يوجهون اهتمامهم إلى هذه الهالة , بحيث أن أي خلل يطرأ على الجسم , بنعكس مباشرة على الهالة . مما يساعد على تحديد مواضع المرض...
وقد تم إختراع لوحة " الديسالين" لرؤية الهالة . ثم إخترع الأستاذ " هاري بوذبجتون " شاشة للكشف عن الهالة وألوانها المتعددة . وتعتبر الهالة بالمفهوم الروحي " الجو الروحي" المحيط بالاشخاص , واعتبرها البعض " السجل الطبيعي" للرغبات الظاهرة والباطنة . والهلة تقوي بالأفكار النقية والمستقيمة , وتُظلم الأفكار العدائية والشريرة . ولعل هذه الهالة ستكون رفيقتنا في رحلة ما بعد الموت, كسجل دقيق وأمين لأعمالنا .
بقي علينا أن نذكر بدافع الأنصاف أن فكرة الأثير كما هي فكرة الأهتزاز ليست جديدة إلا بالنسبة لمعارفنا ... فالاعقتاد بهذا الجسد الأثيري عريق . مثل كل الظواهر الروحية , وقد عرفته الفلسفة اليونانية , كما يظهر في قول سقراط : " إن النفس صورة مماثلة للجسم المادي , وإنها كمال أولي لجسم طبيعي آلي , ذي حياة بالقوة"... وهذا يقارب الصورة بين الجسد الاثيري والنفس.. كما ذكرها ايضا العديد من علماء المسلمين....
وكان "فيثاغورس" ينادي بوجود جسد نفسي يشبه الجسد المادي , وقال بإن هناك مادة أثيرية مرنة تتخلل الأشياء المنظورة وعن طريقها يمكن للعقل الإلهي أن يباشر سلطانه على العالم , ولم يزد العلم اليوم شيئاً جديداً على ما قاله هذا الفيلسوف وغيره بجرعة إلهام كبيرة ...
إن الأثير مادة تملاء ما بين السماء والأرض , وما بين النجوم والكواكب ..وتتخلل كل الاجسام وكل الاشياء , وأبعد من ذلك فهي حقيقة كل تلك الاجسام وتلك الاشياء. ونحن حين نسدد النظر في الفضاء الفسيح الذي بدو لأعييننا القاصرة فراغاً ,فإنما نسدده إلى ذلك الإثير الذي يملأ الأكوان على ما يقول " كلارك مكسويل " , وهو من كبار علماء الطبيعة " إننا لن نعتير الآن تلك المناطق الواسعة الكائنة بين الكواكب وبين النجوم أماكن خاوية في الكون . إنها فعلاً ملأى بهذا الوسط العجيب , وهي من الامتلاء به بحيث لا تستطيع قوة بشرية أن تقصيه عن أصغر جزء من الفضاء , وأن تحدث أدنى نقص في إتصاله غير المتناهي"...
وعدم خضوع هذه المادة لحواسنا , إنما يعود لارتفاع سرعة اهتزازنا ... وهي مادة كاملة كما يراها عالم الفيزياء والطبيعيات الشهير "أوليفر لودج " , ولم تتكشف له عن أي أوجه للنقص , بينما المادة الصلبة ذات أوجه نقص متعددة...
ويلعب الاثير دور الوصل بين العقل والروح والمادة . وبحسب "لودج" فإن الحياة اولعقل يتحاجان إلى أداة يظهران بها أو يتجليان فيها ,لكن هذه الأداة لا يجب أن تكون مادة , بل قد تكون الأثير نفسه ... بمعنى إن الحياة والعقل ليسا مرتبطين بالمادة ارتباطاً مباشراً بل إنهما يملكان العمل عن طريقهما بشكل غير مباشر خلال اتصالهما الأوثق صلة بمركبة أثيرية تشكل الأداة الحقيقة لهما ..أي بجسد أثيري بالاشتراك معهما ويتحكم في المادة...
فالأثير إذن هو المادة المشتكرة بين عالمي الروح والمادة , وكلاهما موجود داخلها...
وفي اعتقادي الشخصي.. اطلعت في عدة ابحاث على تصوير الجسد الاثيري بالآشعة تحت الحمراء اثناء صعوده من الجسد في مرحلة معينة من مراحل النوم.. وهو يماثل في الشكل العام نوعا ما جسد صاحبه دونما المادة.. ويظل مرتبطا بمنطقة العنق بما اطلق عليه العلماء "الحبل الاثيري" والذي يماثل ارتباط الجنين بالحبل السري بأمه... وتولد لي الاعتقاد ان الجسد الاثيري هو ما أشير له في القرآن بقوله تعالى "وكلٌ ألزمناه طائره في عنقه".. وان هذا الجسد الاثيري ينقطع اتصاله بالجسد المادي في حالة الموت وانقطاع الحبل الاثيري... ويكون الانسان في حالىة وفاة مؤقته اثناء النوم لصعود جسده الاثيري جزئيا وانفصاله عن جسده المادي مؤقتا.. وهذا ما عناه الله تعالى "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار" والله تعالى اعلم... لكن من المدلل عليه ان الجسد الاثيري عند تحرره من المادي يتحرر ايضا من قوانين العالم المادي وابعاده.. ومنها الزمن.. ورؤيا ما لا نراه خلال الوعي المادي...
ومن العلماء الأوائل الذين تحدثوا عن هذا الجسد الاثيري الطبيب الألماني "جوهان يونج" الأستاذ بجماعة " ماربورج " الذي اعتبر أن المغانطيسية الإنسانية تثبت بلا نزاع أننا نحوز إنساناً داخلياً . وقد إعتبر أن مادة الضوء أو الأثير هي العنصر الذي يربط الجسم والنفس والعالمين الروحي والمادي معاً.
ولكن الفضل يعود إلى العالم الروحي في كشف النقاب عن الجسد الأثيري من خلال دراسة الظواهر الروحية المختلفة , حيث أوضح أن لكل كائن حي جسداً غير مادي هو الجسد الأثيري , والذي يعتبر صورة كاملة ونسخة مطابقة للجسد المادي خلية بخلية وبصمة ببصمة . والجسدان الأثيري والمادي متحدان بتطابق كلي . والنتائج التي تمخضت عنها كافة الدراسات والأبحاث الروحية تبين أن الجسم الأثيري هو الجسم الحقيقي في الواقع , وأن الجسم المادي ليس سوى التعبير الخارجي والمظهري له , وهذا الأخير ليس ضرورياً إلا في الحياة الأرضية , لما تفرضه طبيعة الحياة هذه من مستوى منخفض من الوجود...
وثمة وظيفة إخرى للأثير , فهو الذي يمنح أي جسم مادي شكله وتماسكه , لأن المادة الصلبة من أخص خصائصها الثصور الذاتي , وهي عاجزة أن تعطي نفسها شكلاً أو صيغة محددة , وهي لا غاية لها ولا هدف حتى في خضوعها للقانون....
والصحيح أن نقول إن الحياة في كل مادة لها غرض معين . وهذا المعنى أوضحه " أوليفر لودج " بقوله :" إن الجزئيات التي تكون أية كتلة عادية من المادة متماسكة فيما بينها عن طريق قو للتماسك والارتباط والجاذبية . فجسم المادة الذي نمسكه ليس هو كل جسمها بل ينبغي أن يكون له مقابل أثيري كيما يسمك بين أجزائه , وهذا المقابل الاثيري هو المزود الحقيقي بالحياة عند الكائنات الحية ."
ويواجهنا السؤال التالي : هل الجسم الاثيري خاص بالانسان ؟
لقد أوضحت البحوث العملية أن لكل شيء موجود شكله الأثيري أو مقابله الأثيري , فهو قرينه أو قالبه . فاليقرة والشجرة والكرسي وكل شيء له مقابل . وهذا المقابل هو النسخة الأصلية التي تدفع فيه الحياة والشكل.
ويُعتبر الجسم الأثيري حامل الوعي والإحساس , أو هو مصدر القدرة على الإحساس التي كانت تعتبر فيما مضى من خصائص الجسد المادي , وهذه القدرة تعود في النهاية إلى العقل الذي هو شيء فوق الأثير...
وينتج عن ذلك أنه عندما يتخلى الإنسان الداخلي عن الكون الخارجي , كما عبر عن ذلك الطبيب الألماني " جوهان يونج " يقع الجسد في حالة من الغيبوبة , وفي هذه الحالة تعمل الروح بطريقة أكثر حرية وقوة , فترتفع فيها كل قدراتها بعد أن كان يعوقها ارتباطها بالمادة ...
ونجد أنفسنا الآن في السؤال عمّا إذا كان الجسم الأثيري يغادر مقابله المادي حقيقة؟؟؟؟
أجاب العلم على ذلك بعد أبحاث طويلة بالإيجاب , وحدد المناسبات التي تحدث فيها مثل هذه المغادرة .
ومثلما اوضحت...فقد يحدث في بعض حالات النوم , وعمليات التخدير الجراحي . وحالات الغيبوبة المغناطيسية ... وحالات الرعب الشديد أو الألم الذي لا يطاق .. كما يحدث في مرحلة من مراحل "التعبد التام لله".. أن بنسل المقابل الأثيري حاملاً معه الإحساس والوعي ويبقى على صلة بالجسم المادي عن طريق حبل يسمى " الحبل الأثيري" أو ( الحبل الفضي) كما سماه ايضا بذلك العهد القديم... ودلله وصوره العلم الحديث...
ووالموت ليس سوى خروج الجسم الاثيري من غلافه المادي ومغادرته نهائياً عن طريق انقطاع هذا الحبل الذي هو الفاصل بين الحياة والموت....
ومن خصائص الجسم الأثيري استقلاله عن الحوادث التي تطرأ على الجسم المادي ويعود الفضل في معرفة الكثير عن هذا الموضوع إلى جهود العلماء في الاتحاد السوفياتي. فقد إخترع أحدهم , وهو " سيمون كيليريان" وزوجته جهازاً للتصوير ذا سرعة تردد عالية جداً , بإماكانه تحويل الظاهرة غير الكهربية إلى ظاهرة كهربية , حتى تصبح خاضعة لتصوير . وسمي هذا الجهاز باسم " جهاز كيليريان" نسبة إلى مخترعه . وبفضل هذا الجهد تم تصوير شكل أثيري مطابق لورقة شجرة ثم سحبت الورقة وأحدث فيها قطع أو بتر بزاوية حادة , ثم إعيدت للتصوير فتبين أن الشكل الأثيري للورقة مازال كاملاً كما هو ولم يتأثر بعملية البتر التي حدثت للروقة . وبالاحرى لنسختها المادية الخارجية...
وهذا ما كشف اللثام دفع واحدة عن كل ما أثير من تساؤل وعجب من ادعاء أصحاب الأعضاء المبتورة . استمرار ؟إحساسهم بالعضو المبتور , حيث كان هؤلاء يصرحون بأنهم يتألمون في موضع الأعضاء المبتورة , بل ويتأثرون بما يلامسها من برودة أو حرارة . ولقد أصبح مفهوماً الآن أنه إذا ما بترت رجل أو ذراع فإن الذي يبتر هو العضو المادي فقط , أما مقابله الأثيري فيبقى في مكانه رغم بتر مقابله...
وكان قد اهتم بهذه المشكلة كثير من العلماء والأطباء منهم الفيلسوف الأمريكي " وليام جيمس " الذي قام بإجراء بحث على 285 شخصاً من ذوي الاظراف المبتورة . وهو يقول بعد ذلك : " إن الإحساس بوجود العضو المبتور يظل بعد عملية البتر لمدد متفاوتة , فقد ظل شيخ في السبعين من عمره يشعر بوجود فخذه المبتورة منذ كان في الثالثة في عمره , بنفس القوة والوضوح اللذين يشعر بهما بوجود فخذ الأخرى "....
وقد بحث العالم الإيطالي أرنستو بوزانو هذه المسألة في مؤلف له عنوانه : " ظواهر إزدواج الأعضاء " وهو يرى أن الشعور بالعضو الشبح قد يكون كاملاً أحياناً , ولكنه يكون في الغالب أقل من غيره...
ولعل أكثر النتائج بروزاً لاكتشاف الجسد الأثيري تلك التي تمت ضمن مفاهيم علم النفس التقليدي على يد أبرز رجاله , جوستاف يونج , وهو أحد الثلاثة الكبار الذين نهض على سواعدهم علم النفس الحديث ( والآخران هما وليام مكدوغال , ووليام جميس) لقد إستعمل " يونج " في التعبير عن الجسد الاثيري وصفاً مازال مشهوراً وهو " the archetypal" أي النموذج , مشيراً إلى أن هذا الجسد الاثيري ليس سوى نسخة الأصل بكامل تفاصيلها ودقائقها عن الجسد المادي, وأن هذه النماذج المطابقة لا نشعر بها ولكنها خضعت للاختبار عوامل تلقائية , وأنه في النظريات القائمة على هذا النموذج أو المثال المطابق تتواجه الروح والمادة على المستوى الروحي , فالمادة اسوة بالروح , تبدو في مملكة النفس ذات صفات متميزة . ونتيجة لوجود نفس مرتبطة بالمادة يجب أن نذكر القارىء بوجو د ظواهر روحية لا يقدر قيمتها الحقيقية إلا أؤلئك الذين أتيحت لهم فرصة الاقتناع بها عن ملاحظة شخصية ...
أما وليام مكدوغال , فقد بات يفضل استعمال تعبير الجسد الاثيري بدلاً من الحديث عن العقل الباطن.
وقد عُرف الجسد الاثيري تحت أوصاف متنوعة وأسماء متعددة , تبعاً لصفاته , فقد اطلق عليه إلى جانب ما ذكرت : الجسد الحيوي corps vital , والجسد الهيولي fluidique , والجسد الوسيط intermediaire نظراً لدوره كوسيط بين العقل والمادة , والجسد الشبح fantome وفي المراجع الفرنسية perisperit .
ومن الحقائق الخطيرة التي نتجت عن اعتبار الجسم الأثيري حامل الشعور , ومصدر الأحساس , أنه بات علينا ألا ننظر إلى الحواس الخمس كمصدر لهذا الإحساس , بل الأحرى أنها أدوات الإحساس التي يستعملها المصدر , أو الطاقة المشتركة الموجودة في الجسم الأثيري , والتي تعمل عن طريق العين فتسمى إبصاراً , وتعمل عن طريق الأذن فتسمى سمعاً , وهكذا . وقد تعمل خارج أية حاسة فتسمى عند ذاك : " إدراكاً خارج الحواس " . وهذا مفتاح الكثير من القدرات غير العادية لبعض الناس , كالرؤية عن طريق اللمس مثلاً وتميز الألوان , بل والقراءة عن طريق وضع الأصابع كما فعلت ذلك " نليا ميخائيلوفا " في الاتحاد السوفياتي ...
وقد أثبتت هذه الأخيرة دعواها بقدراتها على الرؤيا عن غير طريق العين في المؤتمر الإقليمي لرابطة السيكولوجيين الذي عقد في " فاجيل " عام 1962 ثن في موسكو في مختبرات جامعة العلوم . فقد كان باستطاعتها تحديد الالوان, ورؤية الصور الظاهرة على الطوابع البريدية من غير طريق النظر . وكتب عنها الدكتور غريغوري رازاران ما يلي " هذا نموذج من الظواهر التي يرفض الإنسان غرزياً تصديقها , غير أنني توصلت إلى رأي حاسم بصدد الرؤية غير البصرية ... إنها اكتشاف حقيقي " ( كتاب الحاسة السادسة لـ شيلا أوستراندر)
على أنه يبقى رغم اتساع الأفق التي قاد إليها الأثير أنه حسم أهم مشكلة واجهت العقل الإنساني , وأعني مسألة الخلود . ففي الموت يتحرر المقابل الأثيري أو الإنسان الحقيقي من ردائه الخارجي ليعود هذا الأخير وينحل إلى عناصره الطبيعية , في حين ينتقل المقابل الأثيري إلى وسطه الجديد ..ليتابع مصيره ...
ولن ننهي موضوع الأثير قبل أن نتاول موضوعاً متمماً له وهو موضوع الهالة البشرية وتمثل هذه الهالة المحيط الخارجي للجسم الاثيري, إلا أنها تمثل رتبة في الاهتزاز أعلى منه , وتعتبر نافذة هذا الجسم التي يمد من خلالها صلاته مع العالم الروحي...
وأفضل الأبحاث التي جرت على موضوع الهالة البشرية تلك التي أجراها العلماء في الاتحاد السوفياتي . وقد أعلن أحدهم ويدعى " غوليائيق" عن تصميم جهاز خاص للتصوير أنجزه فريق الابحاث الذي يشرف عليه . وورد في كتابه " الحاسة السادسة " أن " باستطاعة هذا الجهاز أن يكشف ويسجل الهالة الأنسانية والهالة الحيوانية , وطبقاً للبيان الذي نشرته الصحف السوفياتية تتمثل الهالة التي اكتشفها غوليائيف في حقل كهربائي معقد يكتنف الجسم ويغلقه كأنه قرينه " ( نفس المرجع السابق ص 950)..
ويضاف إلى جهود " غوليائيف جهود " سيمون كيليريان " في اكتشاف أجهزة التصوير الخاصة التي سبق الكلام عنها . ولكن الأبحاث الرائدة في موضوع الهالة يعود تاريخها إلى ما قبل ذلك. فقد قام الدكتور "هارولد بور " أستاذ تشريح الاعصاب بجامعة " يال " بأبحاث نتذ عام 1953 , أثبت فيها أن كل المادة الحية بدءاً من الحبة وانتهاء بالإنسان تحيط بالجسم البشري ضرباً من القالب الالكتروني . وكلما تجددت خلايا الجسم , سعى حقل القوة هذا إلى أن تأخذ الأنسجة الجديدة القالب المناسب....
أما عن طبيعة الهالة البشرية , فهي عبارة عن إشعاعات ضوئية وذبذبات كهرومغناطيسية منبعثة من جسم الإنسان , وهي ذات ألوان متعددة بما يعكس شخصية الإنسان , وعواطفه وميوله ورغباته , ومستوياته الخلقية والعقلية والصحية , إذ أن كل لون يمثل اتجاهاً معينناً . ولهذا كان المهتمون بالعلاج الروحي - خاصة - يوجهون اهتمامهم إلى هذه الهالة , بحيث أن أي خلل يطرأ على الجسم , بنعكس مباشرة على الهالة . مما يساعد على تحديد مواضع المرض...
وقد تم إختراع لوحة " الديسالين" لرؤية الهالة . ثم إخترع الأستاذ " هاري بوذبجتون " شاشة للكشف عن الهالة وألوانها المتعددة . وتعتبر الهالة بالمفهوم الروحي " الجو الروحي" المحيط بالاشخاص , واعتبرها البعض " السجل الطبيعي" للرغبات الظاهرة والباطنة . والهلة تقوي بالأفكار النقية والمستقيمة , وتُظلم الأفكار العدائية والشريرة . ولعل هذه الهالة ستكون رفيقتنا في رحلة ما بعد الموت, كسجل دقيق وأمين لأعمالنا .
بقي علينا أن نذكر بدافع الأنصاف أن فكرة الأثير كما هي فكرة الأهتزاز ليست جديدة إلا بالنسبة لمعارفنا ... فالاعقتاد بهذا الجسد الأثيري عريق . مثل كل الظواهر الروحية , وقد عرفته الفلسفة اليونانية , كما يظهر في قول سقراط : " إن النفس صورة مماثلة للجسم المادي , وإنها كمال أولي لجسم طبيعي آلي , ذي حياة بالقوة"... وهذا يقارب الصورة بين الجسد الاثيري والنفس.. كما ذكرها ايضا العديد من علماء المسلمين....
وكان "فيثاغورس" ينادي بوجود جسد نفسي يشبه الجسد المادي , وقال بإن هناك مادة أثيرية مرنة تتخلل الأشياء المنظورة وعن طريقها يمكن للعقل الإلهي أن يباشر سلطانه على العالم , ولم يزد العلم اليوم شيئاً جديداً على ما قاله هذا الفيلسوف وغيره بجرعة إلهام كبيرة ...
إرسال تعليق Blogger Facebook