في معرض حديثنا عن اساليب الخداع البصري...ذكرت ان ذلك قد يتم بعدة طرق...منها ما هو بالحيلة والخدع..ومنها ما هو بسحر الاعين الروحاني عن طريق وسيط من الجن ومنها ما هو تقني بالوسائل الحديثة...وساتناول باذن الله لمحات عن كل وجه في هذه الاوجه وتفسيرها العلمي كذلك بالتبسيط... ولكن لنعلم كيف يتم اولا اختراق الجن لحجاب الرؤية من الانسي...
بداية..فان الاعتقاد الباطل في أرواح الموتى كان هو السبب في كثرة نشاط السحرة في المقابر، حيث يتم فيها عامة دفن أوامر التكليف، لأنها من الأماكن المهجورة التي تعج بالشياطين، وخصوصا قرائن المتوفين، حيث تجتمع القرائن قربا من مقرونيها المقبورين بعد موتهم، إلى أن يأذن الله بموت هذه القرائن، ومن خلال المقابر يستحضر أصحاب تحضير الأرواح قرين فلان ومخاطبته.. ومن الممكن للجني بقدراته أن يخترق الحجاب بين عالم الإنس والجن ليظهر في عالم الإنس، فيراه جميع البشر، غالبا ما يكون في صورة مألوفة للبشر، بحيث لا يستطيعون تمييزه إذا كان جنا أم إنسا، ومن الممكن أن يظهر لشخص ما فيراه وحده، بينما لا يراه من حوله، وحدوث مثل هذا الاختراق يتم بواسطة السحر، حيث يقوم به أحد سحرة الجن..وعن أبي شيبة أن الغيلان ذكروا عند عمر بن الخطاب فقال: (إن أحدًا لا يستطيع أن يتحول عن صورته التي خلقه الله عليها، لكن لهم سحرة كسحرتكم، فإذا رأيتم ذلك فأذنوا)..قال الحافظ: إسناده صحيح.
والأصل أن الله حجب الجن عن أعين الإنس فلا يرى الإنسي الجني، فامتناع الإنس من رؤية الجن لقوله تعالى: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ) (الأعراف: 27)، أي أن الإنسي لا يملك القدرة على رؤية الجني، ويستثنى من هذا الحكم الأنبياء والمرسلين، فقد وروى البيهقي في " مناقب الشافعي " بإسناده عن الربيع سمعت الشافعي يقول: (من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته، إلا أن يكون نبيا). .. وقد اختلف أهل العلم في تفسير هذا القول اختلافا كثيرا، خاصة أن هناك شواهد من الكتاب والسنة تثبت أن هناك من رأوا الجن، والواقع يشهد بأن من المصابون بالمس والسحر من يرون الجن، والسحرة يرون الجن أيضا وكذا اصحاب الطاقات الشفافة روحانيا واصحاب الاستبصار، ومنه ما يطلق عليه الأطباء تجاوزا مصطلح (هلاوس سمعية وبصرية)، وهذا قد يبدو لأول وهلة تعارضا بين النص السابق، وبين شواهد تجزم برؤيتهم حسب ما لدينا من نصوص وفيرة، والحقيقة أننا لدينا سوء فهم للنصوص، واللبس الذي حصل في المسألة أن هناك فارق بين إمكان رؤية الإنسي للجني، وبين إمكان الجني الانتقال من عالم الجن إلى عالم الإنس، أي قدرة الجني على الظهور في عالم الإنس، وهذا يعني أن للجن قدرة أو حيلة ما تمكن الإنسي أن يراه، وهذا ما سأوضحه في شرحي بإذن الله تعالى، والرد على هذا له صلة وثيقة بعلم وظائف الأعضاء والمناهج الطبية...
فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن رؤية الأنبياء للجن تكون رؤية للجن على صورتهم التي خلقوا عليها، بينما رؤية غيرهم تكون بعد تصور الجن في صور بعض البشر أو الحيوانات، ولكن حسب علمي الخاص وما ورد أمامي من أدلة كثيرة لا مجال لحصرها خشية الإطالة، أن للجن صورا وأشكالا كثيرة وتغلب الصور القبيحة على الشياطين من الجن..وإن كان الأصل امتناع رؤية الجن إلا أن هذه القاعدة لها استثنائات يطول بنا إيراد نصوصها، حيث ثابت إمكان تصور الجن وتشكله في صور مختلفة بحيث يتبدوا لنا، فلا نعلم كونهم من الجن، كما ظهر الشيطان للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأبي هريرة ولعمر رضي الله عنهما، لكفار قريش وخاطبهم وهم لا يعلمون حقيقة كونه الشيطان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا رأيتم منهم شيئًا)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة قال: (إن الشيطان عرض لي، فشد علي ليقطع الصلاة علي، فأمكنني الله منه فذعته، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه فذكرت قول سليمان عليه السلام رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي.. فرده الله خاسيا) ..
فهذا الحديث شاهد على إمكان ظهور الجن عيانًا بحيث يراه جميع الحضور، وغير ممتنع على إطلاقه، لقوله صلى الله عليه وسلم (حتى تصبحوا فتنظروا إليه) يفيد إمكان رؤيته من جميع البشر، فقد يرى المستهدف الجن في صورة أشباح وأشخاص أشكالهم مختلفة، مابين أشخاص معروفون لديه أحياءا وأمواتا، وصور الحيوانات المختلفة، أو وجوه قبيحة مفزعة، وهذا مما قد يثير الرعب والفزع لدى المعني..
كيف يبصر الإنس الجن:
وتتم رؤية الإنسي للجني بحضور قرين الرائي من الإنس على عين ومخ مقرونه، ويتم الإبصار نتيجة لاشتراك عين القرين وهو من الجن مع عين مقرونه من الإنسن، وكذلك اشتراك مركز إبصار القرين مع مركز إبصار مقرونه، وبحضور القرين على نفس جهاز الرؤية لدى مقرونه تتم رؤية الجن وهو لا يزال في عالم الجن، ولم يخترق بعد الحجاب بين العالمين، وهذا يتم وفق شروط وضوابط خاصة، حيث لابد من وجود وسيط بين القرين او الجني وبين جسد الإنسان وأجهزته حتى يمكن حدوث هذا الاشتراك بين عالمين، وهذا الجسد هو (قرين مادة الجسم الجني) له صفات الإنسي وخصائص الجني وعلى هذا فطالما أن الإبصار يتم عن طريق مركز الإبصار في المخ، فيمكن رؤية الجني والإنسان مغمض العينين، لأن الإبصار هنا يتم من خلال مركز الإبصار في المخ مباشرة لا من خلال العين، وفي بعض الأحيان يكون الجني ماثلا أمام الرائي فيراه من خلال عينيه، بعد ان تقع صورة الجني على مركز الإبصار في المخ...
وعلى هذا يمكن رؤية الجن منامًا كما يمكن رؤيتهم يقظة، بشرط وجود وسيط من الجن يحضر على مركز الإبصار في مخ الرائي، وقد يكون الإنسان مصاب بالمس أو السحر والجن متسلطون على جسده ومسيطرون عليه، فيمكن لأحد الشياطين المعتدين عليه الحضور بدلا من القرين، وهذا بهدف ترويع هذا المريض، إلا أنه غالبًا ما يتم الإبصار من خلال قرين الرائي من الجن، وهو ما يقوم بتحضيره مدعي تحضير الأرواح، حيث يخضعون قرائن الحضور بالتعازيم الكفرية، فيرون قرين المتوفى بصوته وصورته أمامهم بواسطة عين قرائنهم، ويتأكد هذا لديهم إذا أخبرهم بأحداث ماضية وقعت بينهم وبين المتوفى، فيظنوا بذلك أنه روح المتوفى، لذلك قد يراه أحد الحضور بينما لا يراه الباقين، بسبب سيطرة المحضر على قرين الرائى فقط دون باقى الحضور، وهذا هو سر الكشف البصري والسمعي وهو الذي يعتبره الأطباء (هلاوس سمعية وبصرية) خروجا من مأزق اتهامهم بالجهل، وبحثهم عن أي سبب منطقي لما يجهلون به، كونهم يعدون هذه الأعراض تقع في دائرة تخصصهم.
وتعليل ذلك أن العين هي مجرد آلة للرؤية فقط، ولكن عملية الإبصار وترجمة ما تراه العين يقع على مركز الإبصار في الفص الخلفي من المخ، لذلك فهناك فارقة بين الرؤية وبين الإبصار، لذلك قد يبصر النائم في منامه صورا كثيرة ومتعددة، أبصرها عن طريق مركز الإبصار في المخ، ولم يرها من خلال عينيه، لأن عينينه في أثناء النوم مغمضتين، فإذا اشترك مخ الجني مع مخ الإنسي أمكن للجني أن ينقل أفكاره إلى مخ الإنسي، وأمكن أن يرى الإنسي نفس ما يراه الجني، ويسمع نفس ما يسمعه الجني، لذلك أطلق عليه مصطلح (الكشف السمعي والبصري)، وهذا هو السبب في أن المريض يرى ويسمع أشياء لا يدكها المحيطين به، فيظن أنه مختل عقليا، ويشخص الأطباء ذلك على أنه هلاوس سمعية وبصرية... وهذا فقط ان كان المريض في كامل قواه العقلية وصحته البدنية، وفي كامل وعيه وإدراكه ولا مريض نفسي في الاصل..
وبالطبع ما ذكرته يخرج عن نطاق رؤية الصالحين واصحاب قدرات الاستبصار الخاصة بما يقع خارج نطاق ترددات الانسان العادي وحدود حواسه...او ما يشاء به الله لعباده الصالحين....
إرسال تعليق Blogger Facebook