قال الله تعالى فى الحديث القدسى (لا تسعنى السموات ولا الارض ولكن يسعنى قلب عبدى المؤمن) ...وأقر العلم الحديث "إن تاريخنا مكتوب في كل خلية من خلايا جسدنا"...
احبابي في الله.. ان القلب من الناحية العلمية هو ذلك العضو الذي يخلق قبل الدماغ في الجنين ويبدأ بالنبض منذ تشكله وحتى موت الإنسان.. وهو ذلك المحرك الذي يغذي أكثر من 300 مليون مليون خلية في جسم الإنسان.. حيث يضخ قلبك يوميا أكثر من سبعين ألف لتر من الدم أثناء انقباضه وانبساطه في شبكة من الشرايين والأوعية لو وصلت مع بعضها لبلغ طولها مئة ألف كيلو متر!!... ويدق كل يوم أكثر من مئة ألف مرة.. وعندما يصبح عمرك 70 سنة يكون قلبك قد ضخ حوالي مليون برميل من الدم خلال هذه الفترة.. لكن الأهم من هذا وذاك ان القلب يبث ذبذبات تنتشر حول الإنسان وهي أقوى بمئة مرة من ذبذبات الدماغ.. بل انها تؤثر على النشاط الكهربائي للدماغ وتمتد حول الجسم وتؤثر على قلوب الآخرين... وتلك هي هي الحقائق التي حدثنا عنها القرآن الكريم قبل 14 قرناً عندما أكد في كثير من آياته على أن القلب هو مركز العاطفة والتفكير والعقل والذاكرة والبصيرة وغيرها.. فالشيء الثابت علمياً أن القلب يتصل مع الدماغ من خلال شبكة معقدة من الأعصاب، وهناك رسائل مشتركة بين القلب والدماغ على شكل إشارات كهربائية.. ويؤكد العلماء اليوم أن القلب والدماغ يعملان بتناسق وتناغم عجيب ولو حدث أي خلل في هذا التناغم ظهرت الاضطرابات على الفور..وأن للقلب طاقة خاصة بواسطتها يتم تخزين المعلومات ومعالجتها أيضاً... وبالتالي فإن الذاكرة الكلية ليست فقط في الدماغ بل القلب محركاً لها ومشرفاً عليها.. أي يشرف على عمل الدماغ.. بل أن أولئك المرضى الذين استبدلت قلوبهم بقلوب اصطناعية فقدوا الإحساس والعواطف والقدرة على الحب.. فهل يوجد جهاز عاقل داخل القلب؟؟؟؟
نعم فهناك دماغ شديد التعقيد موجود داخل القلب.. داخل كل خلية من خلايا القلب.. ففي القلب أكثر من أربعين ألف خلية عصبية تعمل بدقة فائقة على تنظيم معدل ضربات القلب وإفراز الهرمونات وتخزين المعلومات ثم يتم إرسال المعلومات إلى الدماغ.. هذه المعلومات تلعب دوراً مهماً في الفهم والإدراك...إذن المعلومات تتدفق من القلب إلى ساق الدماغ ثم تدخل إلى الدماغ عبر ممرات خاصة وتقوم بتوجيه خلايا الدماغ لتتمكن من الفهم والاستيعاب..و دقات القلب تؤثر على الموجات التي يبثها الدماغ وبخاصة موجات ألفا.. فكلما زاد عدد دقات القلب زادت الترددات التي يبثها الدماغ... ليس هذا فقط بل دللت التجارب ان القلب يحس ويشعر ويتذكر ويرسل ذبذبات تمكنه من التفاهم مع القلوب الأخرى.. ويساعد على تنظيم مناعة الجسم.. ويحتوي على معلومات يرسلها إلى كل أنحاء الجسم مع كل نبضة من نبضاته.. وبإيقاعه المنتظم يتحكم بإيقاع الجسد كاملاً فهو وسيلة الربط بين كل خلية من خلايا الجسم من خلال عمله كمضخة للدم.. حيث تعبر كل خلية دم هذا القلب وتحمل المعلومات منه وتذهب بها إلى بقية خلايا الجسم.. إذن القلب لا يغذي الجسد بالدم النقي إنما يغذيه أيضاً بالمعلومات!!!.. وذلك المجال الكهرومغناطيسي للقلب قوي جداً ويؤثر على من حولنا من الناس.. أي أن الإنسان يمكن أن يتصل مع غيره من خلال قلبه فقط دون أن يتكلم!!!.. اذن فالقلب له نظامه العصبي الخاص به وهو نظام معقد يسمى بالفعل the brain in the heart وهذا الدماغ الموجود في القلب يتألف من 40000 خلية عصبية.. هذه الخلايا مسؤولة عن تخزين المعلومات وتحميلها لخلايا الدم وبثها لكافة أنحاء الجسم.. وبالتالي فهي أشبه بذاكرة الكمبيوتر التي لا يعمل بدونها ...فالقلب يبث مع كل دفقة دم عدداً من الرسائل والمعلومات لجميع أنحاء الجسد وله نظام كهربائي معقد وله طاقة خاصة به ومجال كهرومغناطيسي أقوى بمئة مرة من الدماغ اي يمكن ان يطلق عليه المسيطر الأساسي في جسد الانسان!!.. هذا ما أكده كبار علماء واطباء القلب وما صدر عن معهد رياضيات القلب الأمريكي.. ولكنه ما قاله الله تعالى في قرآنه (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج: 46].. وقاله الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب).. وان تلك المنظومة العصبية المعقدة في القلب تتأثر بالترددات الصوتية.. واخبرنا بها الله تعالى (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [ الزمر: 23]...
كما ان الآلية التي يعمل بها الكورتيزول cortisol وهو عبارة عن هرمون منشط ينظم ضغط الدم ووظيفة القلب الوعائية وجهاز المناعة.. كما يسيطر على استعمال الجسم للبروتين والكربوهيدرات والدهون يتأثر كنتيجة لزيادة الضغوط سواء البدنية او النفسية والعاطفية ... ويزيد إنتاج هرمون الكورتيزول كرد طبيعي وضروري في الجسم إذا بقيت مستويات التوتر عالية لفترة زمنية طويلة... وهو عامل مهم في حدوث أمراض القلب وداء السكري والتعرض لأخطار السكتة الدماغية.. بالاضافة الى أن الضغوط النفسية اليومية قد تحفز نمو الأورام.. وأن أي صدمة عاطفية أو جسدية يمكن أن تكون بمثابة "ممر" بين الطفرات السرطانية التي تؤدي في النهاية إلى الإصابة بأورام خطيرة.. وفي ظل هذه النتائج العلمية ندرك أهمية أن يستبشر المؤمن برحمة من الله فهو القائل: (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 171]... وقد عجب النبي صلى الله عليه وسلم من حال المؤمن فكان كل حاله خير: إذا أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإذا أصابته سراء شكر فكان خيراً له!!
فالقلب هو المخاطب والمطالب والمعاتب والمعاقب .. وهو الطائع والعاصى .. والمؤمن والكافر .. وهو عقل الإنسان .. فبه يسمع ويبصر ويفهم ويتكلم .. والقلب كائن حى خالد لا يموت أبداً .. حتى بعد موت وفناء الإنسان .. فالإنسان مكون من روح وجسد ونفس .. روح هى نفحة من الله تعالى فى الإنسان .. وهى نفخة الله تعالى من روحه فى آدم صلى الله عليه وسلم.. إذا حلت الروح بالجسد كان لها تعلق بعضلة القلب .. هذا التعلق غير مدرك للعقل البشرى .. ولذلك القلب قلبان .. قلب ظاهر وقلب باطن .. فأما القلب الظاهر فهو المسمى بعضلة القلب .. وأما القلب الباطن فهو هذه الوصلة بالنفحة الإلهية ..هذا القلب الباطن هو وعاء للنور والعلم والحكمة والإيمان .. وهو محل الإرادة والقدرة والإدراك .. فالقلب هو الآمر الناهى .. إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله .. ولذلك يقول الله تعالى فى كتابه العزيز (يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 89] ..
و يقول الإمام إبن القيم رحمه الله تعالى فى تعريفه للقلب السليم فى كتابه بدائع الفوائد:
القلب السليم هو الذى سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر وحب الدنيا والرئاسة ..ولا تتم له سلامته مطلقاً حتى يسلم من خمسة أشياء:
1- من شرك يناقض التوحيد ..
2- وبدعة تخالف السنة ..
3- وشهوة تخالف الأمر ..
4- وغفلة تناقض الذكر ..
5- وهوى يناقض التجريد والإخلاص
فهدف القلب هو الوصول إلى لقاء الله تعالى .. ورحلة القلب إلى ربه تبدأ فى الدنيا وتنتهى فى الآخرة .. ولابد للقلب أن يكون على علم بأن الله تعالى قد خلق الجن والإنس لعبادته .. فهذه هى البداية.. نور الله تعالى هو سر حياة القلوب .. وللقلب وسائل لكى يتطهر ويصفو ويكون أهلاً لهذا النور الإلهى .. ومن ذلك يقظته ومعرفته بما سبق .. وأنفته من المعاصى والذنوب .. وفراره إلى الله العلى .. وبصيرته بحقيقة حاله فى الدنيا والآخرة .. وذلك يقتضى الإعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .. ثم إنابة القلب وأوبته إلى سيده وربه ومولاه .. ثم توبته عن ما مضى من المعاصى والمخالفات والذنوب والآثام .. ثم إشفاقه وخضوعه وخشوعه لله تعالى.. ولابد للقلب من الحزن والخوف والتمني والاصرار فى بداية طريقه إلى الله تعالى .. ثم الرجاء والإستقامة والإخلاص .. ولكى يستقيم القلب فلابد له من الزهد والورع والتقوى وحسن التوكل على الله تعالى واليقين به .. كما عليه أن يتحلى بحسن الخلق .. ومن ذلك الإيثار والتواضع والحياء والصدق والأمانة والوفاء والتسامح ..وعلى القلب أن يكون شاكراً لأنعم ربه .. صابراً على البلايا والمصائب ومحتسباً .. راضياً قنوعاً برزق الله تعالى ..
ودخول النور إلى القلب يشرح الصدر .. ويحرق الشبهات والشهوات فيه .. والتى تمثل عوائق للقلب فى طريقه إلى الله تعالى .. ويبدد ظلمات النفس .. وهى معاصى القلوب .. ومنها الكفر والشرك والنفاق والشك والفسق والغفلة والإعراض .. حتى ينير القلب بأنوار جلال وجمال الله.. ووصول القلب إلى الله العلى القدير يعنى وصوله إلى تحقيق التوحيد الكامل .. فمن ثم لا يبقى إلا الله تعالى فى القلب ..والأنوار الإلهية هى سر سعادة القلوب الغامرة فى الدنيا والآخرة .. ولذلك يقول الله تعالى فى كتابه العزيز (أوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 122]..
وقد روى الترمذى وغيره عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا دخل النور القلب إنفسح وإنشرح .. قالوا: فما علامة ذلك يا رسول الله .. قال: الإنابة إلى دار الخلود و التجافى عن دار الغرور والإستعداد للموت قبل نزوله).. والنور الذى يدخل القلب إنما هو آثار المثل الأعلى فلذلك ينشرح ..وإذا لم يكن فيه معرفة الله ومحبته فحظه الظلمة والضيق.. ولا شىء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر والسعي للخير في كل الامور .. فإنه يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة والتوكل والرضا والتفويض والشكر والصبر وسائر الأحوال التى بها حياة القلب وكماله .. وكذلك منعه عن جميع الصفات والأفعال المذمومة والتى بها فساد القلب وهلاكه .. ومن علامات صحة القلب.. أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى ينيب إلى الله .. ويخبت إليه .. ويتعلق به تعلق المحب الذى لا حياة له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا برضاه وقربه والأنس به .. فبه يطمئن وإليه يسكن وإليه يأوى وبه يفرح وعليه يتوكل وبه يثق وأياه يرجو وله يخاف .. فحينئذ يباشر روح الحياة .. ويصير له حياة أخرى غير حياة الغافلين المعرضين عن هذا الأمر الذى له خلق الخلق والجنة والنار .. وله أرسلت الرسل ونزلت الكتب.. وقد يمرض القلب ويشتد مرضه ولا يعرف به صاحبه لإشتغاله وإنصرافه بدنياه .. بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته .. وعلامة ذلك أنه لا تؤلمه المعاصي .. ولا يوجعه جهله بالحق وعقائده الباطلة وغفلته عن خالقه.. وتجده يكره الحق ويضيق صدره به ..ولايعرف معروفاً ولا ينكر منكراً ولا يتأثر بموعظة بل لا يخاف الا ممن هم دون الله..
فاحرصوا على تلك المضغة التي بصلاحها يستقيم صاحبها..و أكثروا من ذكر الله تحيا وتطمئن قلوبكم وتذكروا قوله تعالى (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم)..واجعلوا الله في قلوبكم تنصلح كل احوالكم في دنياكم واخراكم...
إرسال تعليق Blogger Facebook