بداية...نذكر ما كتبه الشيخ "محمد الغزالي"...يقول "فلم يشعر أحد بفراغ الميدان من الرجالات المقتدرة في الصف الأول من جماعة الأخوان المسلمين إلا يوم قتل حسن البنا في الأربعين من عمره ، لقد بدا الأقزام على حقيقتهم بعد أن ولى الرجل الذي طالما سد عجزهم . وكان في الصفوف التالية من يصلحون بلا ريب لقيادة الجماعة اليتيمة ، ولكن المتحاقدين الضعاف من أعضاء مكتب الإرشاد حلوا الأزمة، أو حلت بأسمائهم الأزمة بأن استقدمت الجماعة رجلاً غريباً عنها ليتولى قيادتها ، وأكاد أوقن بأن من وراء هذا الاستقدام أصابع هيئات سرية عالمية أرادت تدويخ النشاط الإسلامي الوليد فتسللت من خلال الثغرات المفتوحة في كيان جماعة هذه حالها وصنعت ما صنعت . ولقد سمعنا كلاما كثيرا عن انتساب عدد من الماسون بينهم الأستاذ حسن الهضيبي نفسه لجماعة الأخوان ولكنني لا أعرف بالضبط، استطاعت هذه الهيئات الكافرة بالإسلام أن تخنق جماعة كبيرة على النحو الذي فعلته ، وربما كشف المستقبل أسرار هذه المأساة"
لقد كتب الشيخ "محمد الغزالي" في كتابه (من ملامح الحق) ، وهو من أكبر رجالات الأخوان وصاحب للشيخ "حسن البنا" أن "سيد قطب" منحرف عن طريقة البنا ، وأنه بعد مقتل البنا وضعت الماسونية زعماء لحزب الأخوان المسلمين ، وقالت لهم ادخلوا فيهم لتفسدوهم، وكان منهم "سيد قطب" . لم يكن وحده ماسونياً : يبدو أن الشكوك في تورط بعض الأعضاء من تنظيم "الأخوان المسلمين" إلى الماسونية تزيد حينما نذكر أن "مصطفى السباعي" الذي ساهم في الحركة الوطنية المصرية كان من أنشط الأعضاء الماسون في بيروت... وما كتبه تمام البرازي في كتابه عن ماسونية أحد أعضاء الأخوان وهو مصطفى السباعي ، وما ذكره محمد الغزالي في كتابه تأكيد ولو من بعيد عن ماسونية البعض من جماعة الأخوان المسلمين مثل (سيد قطب – حسن الهضيبي – مصطفى السباعي) . إننا لا نتهم ولا نبرىء بل نعرض حقائق ونلقي الضوء على مسائل كانت ولا تزال غامضة في التاريخ العربي
ولنعود بالذاكرة لما كتبه الأستاذ أحمد الحبيشي أن المخططات الاستعمارية كانت تتواصل خلال الخمسينات لتطويق المنطقة بحلف عسكري تحت ستار الدين هو الحلف الإسلامي الذي رفضه عبد الناصر بقوة
في هذا السياق شعرت قيادة ثورة 23 يوليو بأهمية إقامة تنظيم سياسي شامل اطلقت عليه اسم هيئة التحرير فذهب المرشد العام لمقابلة عبد الناصر محتجاً بقوله ما هو الداعي لإنشاء هيئة التحرير ما دامت جماعة الإخوان قائمة؟
في اليوم التالي لهذه المقابلة أصدر حسن الهضيبي بياناً وزعه على جميع شُعَب الإخوان في المحافظات وقال فيه إن كل من ينضم إلى هيئة التحرير يعد مفصولاً من الإخوان ثم بدأ هجوم الإخوان الضاري على هيئة التحرير وتنظيمها الجماهيري منظمة الشباب وبلغت ضراوة المواجهة بين الإخوان وشباب الثورة إلى حد استخدام الأسلحة والقنابل والعصي وإحراق السيارات في الجامعات يوم 12 يناير 1954م وهو اليوم الذي خصص للاحتفال بذكرى شهداء معركة القناة
الغريب هنا هو أن إختيار يوم الثورات أو تنظيم يوم التجمهر يكون بإختيار أحد أيام الإحتفالات مثل ثورة 25 يناير وإختيار يوم عيد الشرطة يوم الثورة؟ هل هذا حدث صدفة؟ مجرد ملاحظة في جملة إعتراضية فقط لاغير
توترت العلاقة على إثر هذا الحادث بين الإخوان والثورة وفي هذه الأجواء ذهب أحد أقطاب الإخوان وهو عبدالمنعم خلاف إلى القائم قام أنور السادات في مقر المؤتمر الإسلامي للتحدث معه بشأن الإخوان مشيراً إلى أن مكتب الإرشاد قرر بعد مناقشات طويلة إيفاده إلى جمال عبد الناصر فرد عليه أنور السادات قائلاً هذ ه هي المرة الألف التي تلجؤون فيها إلى المناورة بهذه الطريقة فخلال السنتين الماضيتين اجتمع جمال عبد الناصر مع جميع أعضاء مكتب الإرشاد بمن فيهم المرشد العام حسن الهضيبي ولم تكن هناك أي جدوى من هذه الاجتماعات لانهم كما قال عبد الناصر يتكلمون بوجه وحينما ينصرفون يتحدثون إلى الناس وإلى أنفسهم بوجه آخر
ويمضي السادات في مذكراته قائلاً كان عندي وفي مكتبي الأستاذ خلاف يسأل عن طريقة للتفاهم وفي مساء اليوم نفسه كانت خطتهم الدموية ستوضع موضع التنفيذ أي يوم الثلاثاء كان هذا اليوم نفسه هو الذي جعلته موعداً لكي يقابل فيه جمال عبد الناصر الأستاذ خلاف موفد مكتب الإرشاد
كان عبد الناصر يلقي خطاباً في ميدان المنشية بالاسكندرية يوم 26 أكتوبر 1954م في احتفال أقيم تكريماً له ولزملائه بمناسبة اتفاقية الجلاء وعلى بعد 15 متراً من منصة الخطابة جلس السباك محمود عبد اللطيف عضو الجهاز السري للإخوان وما أن بدأ عبد الناصر خطابه حتى اطلق السباك الإخواني 8 رصاصات غادرت من مسدسه لم تصب كلها عبد الناصر بل اصاب معظمها الوزير السوداني ميرغني حمزة وسكرتير هيئة التحرير بالاسكندرية احمد بدر الذي كان يقف إلى جانب جمال عبد الناصر
وهذا تاريخ أخر في مناسبة تم إختياره من قبل الأخوان المسلمين لإغتيال عبد الناصر في جملة إعتراضية ثانية
وهنا يجب أن نقف للحظة ماذا تقول فيمن يختلف معك على رأي وترى أن السبيل الوحيد لفرض رأيك بالقوة هو قتل من يختلف معك؟ والإجابة لك في جملة إعتراضية ثالثة
وعلى الفور هجم ضابط يرتدي زيا مدنياً أسمه إبراهيم حسن الحالاتي الذي كان يبعد عن المتهم بحوالي أربعة أمتار والقى القبض على السباك محمود عبد اللطيف ومعه مسدسه وبدأت بهذه الحادثة مرحلة جديدة وحاسمة من المواجهة بين ثورة 23 يوليو وتنظيم الإخوان المسلمين
وزاد من تعقيد الموقف ان التحقيقات كشفت سفر المرشد العام حسن الهضيبي إلى الاسكندرية قبل يوم واحد من محاولة الاغتيال ثم ظل مختفياً منذ الحادث لفترة طويلة وعندما صدر الحكم ضده وضد المرشد العام بالإعدام قام جمال عبد الناصر بتعميد الحكم على محمود عبد اللطيف وتخفيفه على المرشد العام حسن الهضيبي إلى السجن مع وقف التنفيذ وبعد ذلك ظهر الهضيبي إلى السطح من خلال رسالة خطية بعث بها من مخبئه إلى جمال عبد الناصر حاول فيها التبرؤ من الذين خططوا ونفذوا هذه الجريمة
الغزو من الداخل والخارج
تحت هذا العنوان كرس الكاتب الراحل عبدالله إمام الفصلين الرابع والخامس من كتابه عبد الناصر والاخوان المسلمون واستهلهما بالإشارة إلى أن مصر كانت في النصف الثاني من عام 1965م تستعد لتنفيذ خطة تنموية جديدة بعد نجاح خطة التنمية الخمسية الأولى التي حققت أكبر نسبة تنمية في العالم الثالث كله باعتراف الأمم المتحدة التي أكدت بأن معدلات التنمية في مصر زادت لأول مرة عن نسبة زيادة السكان
وخلال الخطة الخمسية الأولى صدر دستور 1963م المؤقت وأجريت الانتخابات لمجلس الأمة الجديد والقى عبد الناصر في أول اجتماع للمجلس كشف حساب للمرحلة كلها التي اسماها مرحلة التحول العظيم
في عام 1965م كانت مصر تخوض في اليمن حرباً إلى جانب الشعب اليمني دفاعاً عن ثورة 26 سبتمبر والنظام الجمهوري وفي العام نفسه وضع الرئيس الأمريكي ليندن جونسون هدفاً أساسياً لإدارته هو إسقاط النظام في مصر وأعلن حصاراً اقتصادياً لتجويع الشعب المصري ومنع بيع القمح الأمريكي لمصر وتزامن هذا الإعلان مع اعتراف وثائق المخابرات المركزية الأمريكية بانها أسقطت (سوكارنو) واغتالت (لومومبا) وأبعدت (نكروما) عن الحكم كما أعلنت المخابرات المركزية الأمريكية وقوفها خلف سلسلة انقلابات في عدد من دول أفريقيا التي تجاوبت مع جهود عبد الناصر الرامية إلى إقامة تضامن آسيوي أفريقي في إطار حركة عدم الانحياز
في هذه الظروف تحرك الإخوان المسلمون لقلب نظام الحكم واغتيال جمال عبد الناصر وفشلت خطة الإخوان وكان هناك يقين بأن الغزو من الداخل لن ينجح مع مصر فكان الغزو من الخارج عام 1967م الذي استهدف أيضاً إسقاط النظام في مصر بحسب اعتراف زعماء إسرائيل
من المفارقات العجيبة أن الرئيس الأمريكي جونسون كتب في مذكراته انه عندما جاءته أنباء انتصار الجيش الإسرائيلي قال إن هذا أعظم خبر سمعناه فيما أعلن أحد شيوخ الإخوان المسلمين البارزين وهو محمد متولي الشعراوي انه صلى لله ركعتين شكراً على انتصار إسرائيل وهزيمة الجيش المصري عندما كان يشتغل بالتدريس في الجزائر عام 1967م
وحين كشفت السلطات المصرية مؤامرة الإخوان المسلمين الثانية لقلب نظام الحكم قال رموزهم إنها تمثيلية أخرى مدبرة علماً بأن الأستاذ محمد حسنين هيكل رد على الذين زعموا بأن محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في الاسكندرية عام 1954م كانت تمثيلية حيث نشر في كتابه ملفات السويس اعترافات المتهمين أمام المحكمة إلى جانب وثيقتين بخط يد المرشد العام حسن الهضيبي والشخص الذي قام بمحاولة اغتيال جمال عبد الناصر ووثيقة ثالثة أخرى بخط يد عبد القادر عودة عضو مكتب الإرشاد المتورط بحادث الاغتيال وتضمنت هذه الوثائق الخطية بالإضافة إلى الاعترافات معلومات تفصيلية مثيرة حول ضلوع أقطاب الإخوان وفي مقدمتهم عضو مكتب الإرشاد عبدالقادر عودة في هذه المؤامرة الدموية الدنيئة
والثابت ان الإخوان المسلمين درجوا على وصف هذه الاعترافات التي نشرت حول مؤامرة الإخوان الثانية عام 1965م بأنها تمت تحت التعذيب بيد أنهم اعترفوا بعد سنوات في كتبهم التي نشروها أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات بكل ما سبق لهم أن نفوه وظهروا أمام الله والناس بأنهم كانوا يكذبون باسم الدين الذين نصبوا من أنفسهم حراساً عليه في الدنيا
وشهد شاهد من أهلها
في كتابها أيام من حياتي شرحت زينب الغزالي مؤامرة عام 1965م التي كانت واحدة من الضالعين فيها وحكم عليها بالسجن 25 عاماً ثم أفرج عنها السادات في أوائل السبعينات أثناء تحالفه مع الإخوان المسلمين
تروي زينب الغزالي في الباب الثالث من كتاب أيام من حياتي تفاصيل مثيرة عن علاقاتها بالقيادي الإخواني الشيخ عبدالفتاح إسماعيل الذي تعرفت عليه في السعودية عام 1957م وكيف بايعته في الكعبة على السمع والطاعة والجهاد في سبيل الله وما الذي عملته تنفيذاً لهذه البيعة بعد عودتها إلى مصر ثم تمضي قائلة
كانت خطة العمل تستهدف تجميع كل من يريد خدمة الإسلام لينضم إلينا وكان ذلك كله مجرد بحوث ووضع خطط حتى نعرف طريقنا فلما قررنا أن نبدأ العمل كان لابد من استئذان المرشد العام الأستاذ حسن الهضيبي لان دراساتنا الفقهية حول قرار حل جماعة الإخوان المسلمين انتهت إلى أنه باطل كما أن جمال عبد الناصر ليس له أي ولاء ولا تجب له أية طاعة على المسلمين والسبب هو أنه لا يحكم بكتاب الله وتشير السيدة زينب الغزالي بعد ذلك إلى أن الهضيبي أوكل جميع المسؤوليات الخاصة بتنفيذ هذه الخطط إلى سيد قطب
وفي شهادة أخرى اعترف القيادي الإخواني احمد عبد المجيد في كتابه الصادر عام 1991م بعنوان الإخوان ومعركتهم مع عبد الناصر انه بحث خطة اغتيال عبد الناصر مع سيد قطب وان تمويل التنظيم كان يأتي من الخارج وانه كان يتم تدريب الشباب على وضع القنابل والمتفجرات مشيراً إلى أن لقاءً سرياً انعقد في منزل علي العشماوي بحي شبرا وحضر هذا اللقاء الشيخ عبدالفتاح إسماعيل والشيخ محمد فتحي رفاعي وقد طرحت في هذا اللقاء مأمورية اغتيال جمال عبد الناصر على أساس أن يكون ما بين عشرين إلى ثلاثين استشهادياً مستعدين للموت والشهادة وانهم على صلة بالأستاذ المرشد حسن الهضيبي وانهم استأذنوه لهذا العمل فوافق وبالتالي يعتبر هذا العمل شرعياً لانه موثق من ولي الأمر والقيادة الشرعية
من جانبه اعترف علي عشماوي في مذكراته التي نشرها بعد اطلاق سراحه في عهد السادات أن الإخوان حاولوا قتل عبد الناصر سنة 1954م وكرروا ذلك مرة أخرى سنة 1965م واعترف أيضاً بخططهم للنسف والتدمير وتخزين الأسلحة كما تحدث عما اسماها مجموعة البحث العلمي التي كانت تضم خريجي الإخوان من كليات العلوم قسم الكيمياء الفيزياء الأحياء وخريجي كلية الهندسة وباحثين في المركز القومي للبحوث والطاقة الذرية وكانت مهمة هذه المجموعة إجراء البحوث والتجارب على صنع المتفجرات والأحزمة والمواد الناسفة والقنابل والسموم خصوصاً وان احدى خطط الاغتيال كانت تشتمل على بدائل وخيارات عديدة بينها قتل جمال عبد الناصر بالسم
البوابة السوداء
ثمة اعتراف آخر لأحد المشاركين في مؤامرة 1965م وهو القيادي الإخواني احمد رائف الذي اعتاد على الظهور في قناة (الجزيرة) لتشويه صورة الرئيس جمال عبد الناصر متناسيا أنه اصدر عام 1985م الطبعة الخامسة من كتابه البوابة السوداء الذي اعترف فيه بإعادة بناء تنظيم الإخوان المسلمين وزعامة سيد قطب له بتكليف من المرشد العام
كما اعترف بخطة اغتيال جمال عبد الناصر التي وضعها عبد العزيز علي وبحصولهم على أسلحة من إخوان السعودية إلى قرية دراو مشيراً إلى أن الهدف من هذه الأسلحة هو إحداث قلاقل في مصر لمواجهة دعمها العسكري والسياسي والمادي للثورة اليمنية حيث أفتى سيد قطب والشيخ عبدالفتاح إسماعيل بأن من يرفض الاشتراك في حرب اليمن من الضباط والجنود ويتعرض للمحاكمة العسكرية ويعدم فهو شهيد من أهل الجنة
ويمضي احمد رائف قائلاً إن علي عشماوي خرج من عند الأستاذ سيد قطب مستبشراً بسبب موافقة الأخير على خطة عشماوي لقتل جمال عبد الناصر وعبدالحكيم عامر وعلي صبري وزكريا محي الدين وكانت ثقة الإخوان راسخة بان الأمور ستهدأ بعد قتل هؤلاء الطواغيت
في يوم 7 أغسطس 1965م كان الرئيس جمال عبد الناصر يلتقي مع الطلبة العرب الدارسين في موسكو حيث أعلن أمامهم عن ضبط مؤامرة جديدة للإخوان المسلمين منوّهاً بأن الثورة رفعت الأحكام العرفية قبل سنوات وصفت المعتقلات وأصدرت قانوناً لكي يعود المعتقلون إلى أعمالهم غير أن السلطة ضبطت مؤامرة جديدة مدعومة بالأسلحة والأموال التي وصلت إليهم من سعيد رمضان في الخارج
معالم في الطريق وتجهيل المجتمع
في هذا المناخ الساخن صدر كتاب معالم في الطريق وكان بمثابة برنامج عمل التنظيم الجديد للإخوان المسلمين وبوسع الذين قرأوا ما ورد في هذا الكتاب من أفكار وما تردد في محاكمة الإخوان المسلمين حول رؤيتهم للمجتمع المعاصر بأنه مجتمع جاهلي أن يلاحظ التطابق التام بينها وبين أفكار وبرامج الجماعات الإسلامية المتطرفة التي ظهرت في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين المنصرم
في هذا الكتاب يقول سيد قطب في الصفحة رقم واحد وعشرون نحن اليوم في جاهلية تشبه الجاهلية التي عاصرها الإسلام في عهد النبوة
وفي الصفحة الثالثة والعشرون يقول إن مهمتنا الأولى هي تغيير واقع هذا المجتمع الجاهلي من أساسه
وفي الصفحة ستة وأربعون يقول إن دعاة الإسلام حين يدعون الناس إلى هذا الدين يجب أولاً أن يدعوهم إلى اعتناق العقيدة حتى ولو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين وتشهد لهم شهادات الميلاد والزواج بأنهم مسلمون ويعلموهم أن كلمة لا إله إلا الله مدلولها الحقيقي هو رد الحاكمية لله وطرد المعتدين على سلطان الله
وفي الصفحة واحد وثمانون يقول إن الحاكمية معناها الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض الحكم فيه للبشر بصورة من الصور وفي الصفحة الثالثة والثمانون يقول إن هذا الإعلان العام لتحرير الإنسان في الأرض لم يكن إعلاناً نظرياً فلسفياً إنما كان إعلاناً حركياً واقعياً إيجابياً ومن ثم لم يكن بدٌّ من أن يتخذ شكل الحركة إلى جانب شكل البيان
وفي الصفحة تسعون يقول إن الجهاد ضرورة للدعوة إذا كانت أهدافها هي إعلان تحرير الإنسان سواء أكان دار الإسلام آمناً أم مهدداً من جيرانه فالإسلام حين يسعى إلى السلم لا يقصد ذلك السلام الرخيص أي مجرد تأمين الرقعة الخاصة التي يعتنق أهلها العقيدة الإسلامية
وفي الصفحة مائة وخمسة يقول وكما أسلفنا فان الانطلاق بالمذهب الإلهي تقوم في وجهه عقبات مادية من سلطة الحكومة ونظام المجتمع وأوضاع البيئة وحدود الدول هذه كلها ينبغي أن ينطلق الإسلام ليحطمها بالقوة
إنجيل التطرف
يجمع الباحثون على أن كتاب معالم في الطريق هو انجيل التطرف وعلى أساس أفكار هذا الكتاب صاغ فقهاء وأمراء الجماعات الإسلامية المتطرفة شعاراتهم وبرامجهم وإذ يحاول الإخوان المسلمون إعلان براءتهم من هذا الكتاب وحصر المسؤولية عنه في سيد قطب فقط وتبرير تطرف أفكار الكاتب بظروف السجن التي عاشها المؤلف إلا أن الحقائق تدل على عكس ذلك وتفضح صلة الإخوان المسلمين ومرشدهم العام بهذا الكتاب وأفكاره المدمرة وافق المرشد العام حسن الهضيبي على كتاب سيد قطب الذي أرسله إليه من السجن وراجعه ملزمة ملزمة وأمر بطباعته وفقاً للروايات التي جاءت في عدة كتب صدرت بعد رحيل عبد الناصر بعشرين عاماً وفي مقدمتها كتاب زينب الغزالي ايام من حياتي
في هذا السياق قالت زينب الغزالي في كتابها أيام من حياتي إن التنظيم أعيد بناؤه بصورة سرية بعد قرار حله وكانت بداية إعادة البناء سنة 1975م بعلم المرشد العام الهضيبي ومباركته على أن يتولاه سيد قطب فيما أشارت اعترافات المتهمين بمؤامرة 1965م أمام المحكمة إلى أن التنظيم بدأ بجمع الأسلحة واستغل طاقات الشباب بصنع المتفجرات وإعداد خطط الاغتيالات لعدد كبير من المسؤولين وفي مقدمتهم جمال عبد الناصر بل إن إحدى الخلايا اهتدت بالمنهاج الدعوي للإخوان المسلمين الذي يعتبر الراديو والتلفزيون والسينما والفنون والموسيقى والنحت والتصوير أعمالاً محرمة في الإسلام ومنافية للأخلاق ولذلك تم وضع خطط لتدمير هذه المرافق واغتيال نجوم الفن ومن ضمنهم أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ ونجاة وشادية وغيرهم
كما اقترحت الخطط اغتيال عدد من مذيعات التلفزيون ومن بينهم ليلى رستم وأماني راشد، ثم أعدت خطط لاغتيال سفراء كل من الاتحاد السوفياتي وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية لخلق مشكلة بين مصر وهذه الدول وكان تدريب الخلايا الجهادية يتم على ثلاث مراحل هي مرحلة الإعداد الروحي ثم الإعداد الجسدي بالمصارعة والمشي والطاعة وأخيراً الإعداد العسكري بالتدريب على السلاح
ومما له دلالة عميقة أن تنظيم القاعدة الذي يقوده أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري يتبع نفس نهج الإعداد الجهادي
ويجب ان نذكر ان هناك علاقات وطيدة تربط جماعة الإخوان بالقاعدة, لكنها توترت في الآونة الأخيرة, ففي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي تعرضت الجماعة لعمليات من القمع الوحشي من قبل نظام الرئيس جمال عبدالناصر, لكن الكثير من الأعضاء فضلوا تبني معارضة سلمية, والسعي إلى أسلمة المجتمع من خلال الحياة السياسية, ونظام تعليم موجه للقاعدة الشعبية. لكن فصيلة صغيرة يقودها عالم اللاهوت سيد قطب, قد اختارت جانب العنف, وألهمت أفكار قطب عن العنف المبرر دينيا, الجهاديين في جميع أنحاء العالم. وقد تأثر العديد من زعماء القاعدة بمن فيهم أسامة بن لادن وخالد شيخ محمد بأفكار الجماعة في وقت مبكر. لكن الطرفان (جماعة الإخوان وتنظيم القاعدة) اشتبكا مؤخرا في خلاف دار حول بعض أفكارهما.
حسن البنا: يجب التفريق بين مناهج تعليم البنات ومناهج تعليم الصبيان في مراحل التعليم ... ومنع الاختلاط.
سيد قطب: ثقافة المرأة تكون حول: صحة الطفل والحامل .. التربية الجنسية .. ترويض الرجال .. التدبر المنزلي.
مفتي الجماعة : حركة تحرير المرأة يحمل لواءها عبيد الاستعمار في العالم الاسلامي. .. وتحديد النسل من البدع المستحدثة .. وبواعثها صليبية!!
المناصب من الرئاسة إلى الوزارة الى عضوية المجالس النيابية وادارة مختلف مصالح الحكومة لا تفوض إلى النساء.
قسم المرأة في جماعة الاخوان يرأسه رجل !!
لا يؤمن الإخوان المسلمون بأي حقوق طبيعية للمرأة، على عكس كل علماء المسلمين المستنيرين، بدءاً من حق العمل مروراً بحق تولي المناصب الكبرى في الدولة، وانتهاءً بحق الاختلاط المبرأ عن الهوى في مواقع العمل وأماكن تلقي العلم. يقول الإخوان هذا صراحة في فتاواهم التي يدرسونها سراً لكوادرهم وأعضائهم من الشباب والفتيات، لكنهم عندما يضطرون إلى مخاطبة الرأي العام يتبنون خطاباً براجماتيًّا يؤكد على جواز ترشيح المرأة في المجالس النيابية، وجواز المشاركة في عملية الاختيار (الانتخاب)، وذلك من أجل توسيع دائرة المصوتين للجماعة في أي انتخابات تشريعية أو نقابية، ولكنهم يقفون موقف الرفض – غير المبرر – من كافة الحقوق الأخرى، ومنها حق المرأة في تولي القضاء، والمناصب العليا في الدولة، بما في ذلك منصب الرئاسة. أما بالنسبة للبنية التنظيمية للجماعة فهم يرفضون تمثيل المرأة في أي مستوى تنظيمي، سواء كان مجلس شورى الجماعة أو مكتب إرشادها، بل وصلت المفارقة إلى اختيار رجل على رأس قسم المرأة، يقوم بالتعامل مع النساء عن طريق زوجته.
لا تحظى المرأة باهتمام خاص في خطاب الشيخ حسن البنا، ولا يولي أهمية لقضاياها، وهو ما يتسق مع النظر إليها في إطار التبعية للرجل من ناحية، وعلى اعتبار أنها مصدر للفتنة والفساد الأخلاقي من ناحية أخرى. عندما يتحدث البنا عن "منهاج القرآن الكريم في الإصلاح الاجتماعي"، يجمع بين الرجل والمرأة في إطار عام فضفاض: النهوض بالرجل والمرأة جميعا، وإعلان التكافل والمساواة بينهما، وتحديد مهمة كل منهما تحديداً دقيقاً.
الاقتراح الأول أخلاقي متشدد، وصياغته توحي بالمفهوم المتسع للخلاعة، فهي معطوفة على التبرج، وكأن كل متبرجة خليعة!.
وخطورة الاقتراح الثاني أنه يضرب فكرة المساواة في الصميم، فهو يطالب بمناهج خاصة للبنات، وكأن في العلم ما لا يجوز للمرأة، أن تدرسه وتعرفه!، وهو لا يحدد مراحل التعليم والمناهج التي يقصدها، فيفتح الباب واسعا أمام العبث العلمي الذي يمارسه غير المتخصصين، وبخاصة أن الاختلاط في معاهد العلم "خلوة" غير شرعية تستوجب العقاب، و"جريمة" يؤخذ عليها!.
في كتابات سيد قطب المبكرة، قبل الانتقال إلي الطور الثاني من حياته الحافلة بالتناقضات، ما يكشف عن موقف سلبي من المرأة، ففي مجلة "الشئون الاجتماعية"، أبريل 1940، نشر قطب مقالاً عنوانه "ثقافة المرأة المصرية يجب أن تخضع لوظيفتها الطبيعية والاجتماعية"، وأكثر ما يلفت النظر في المقال هو المطالبة بأن يكون تعليم المرأة مختلفًا عن التعليم الذي يتلقاه الرجل، وهي الفكرة نفسها التي يدعو إليها حسن البنا خلال المرحلة التاريخية!. ليس للمرأة من وظيفة، عند سيد قطب، إلا رعاية الأسرة والاهتمام بالأطفال، ومثل هذا العمل يحتاج إلي نوعية معينة من التعليم والثقافة: "معلومات عامة، الطفل وغرائزه، صحة الطفل والحامل، أدب الأطفال، التربية الجنسية، ترويض الرجال، التدبر المنزلي"!.
ويحذر قطب من تعليم المرأة على مثال الرجل، فالمساواة بينهما في مجال التعليم ليست إلا نوعا من "الشذوذ"!، وانقياد لنمط الثقافة الأوربية الدخيلة، فضلا عن إفساد طبيعة الأنثى!. كيف تفسد طبيعة الأنثى إذا تعلمت ما يتعلمه الرجل؟. هذا ما لا ينشغل به سيد قطب، مكتفيا بضرورة التمييز، وحتمية التركيز على أنواع بعينها من العلوم والمعارف. ماذا عن التاريخ والجغرافيا والفلسفة وعلم النفس واللغة والأدب؟ وماذا عن الكيمياء والفيزياء والرياضيات؟. أي "شذوذ" في دراسة الفتاة المسلمة للعلوم السابقة؟!. هذا ما لا يجيب عنه سيد قطب!. وتتصاعد حملة المفكر الإخواني، في الجزء الثاني من كتاب "في ظلال القرآن"، حيث يؤكد أن الأنظمة العلمانية العميلة للغرب الاستعماري، في البلدان العربية والإسلامية، بدءًا من تجربة الزعيم التركي مصطفي كمال أتاتورك، تنفذ توصيات وتعليمات المؤتمرات التبشيرية، وتسير على خطي بروتوكلات "حكماء صهيون"، والعنصر الأول والأهم من "المؤامرة"، يتمثل في تدمير وإزاحة القيم والأخلاق الإسلامية، وإخراج المرأة إلي الشارع، وجعلها فتنة للمجتمع، وتيسير وسائل الانحلال:" كل ذلك وهي تزعم أنها مسلمة وتحترم العقيدة"!.
فالمتتبع للتاريخ الإسلامي يدرك حجم التحول الذي حدث والارتداد الكبير في خنق مفهوم السياسة في الإسلام بطريقة فكرية انتجت منهجية العنف الذي شهده العالم الإسلامي في العقود الماضية ولا زال يعاني منه وسوف يستمر إلى المستقبل إذا لم تتمكن المجتمعات الإسلامية من معالجة الخطأ التاريخي الذي حدث أثناء نمو الإسلام والمتمثل في تحويل مفاهيم السلطة وإدارة المجتمعات في الإسلام إلى مفاهيم عنف وتسلط واعتداء.
السؤال الذي يتقدم هذه الفكرة يقول من الذي ساهم في تحويل مفهوم علاقة الإسلام بالسياسة من علاقة ترتكز على فهم ديني ودنيوي مشترك للحياة الاجتماعية، يترك فيه لنظام إدارة المجتمع التقريب بين الحياة والدين بطريقة تخدم الطرفين، إلى مفهوم أحادي المنهج لا يترك فرصة للمفاهيم الدنيوية أن تتمازج مع المفاهيم العقدية لتشكل بناء سياسيا واجتماعيا متينا يضمن تكوين المجتمع المسلم..؟
هذا السؤال أيضا يطرح سؤالا تعجز دائما جماعات الإسلام السياسي عن إجابته وخصوصا في تلك المجتمعات الإسلامية ذات التنوع الفكري والعقدي والطائفي هذا السؤال يقول: ماهي الدولة الإسلامية التي تريدها جماعات الإسلام السياسي دولة عبادات أم دولة معاملات..؟
الإسلاميون لا يستطيعون إجابة هذا السؤال لسبب بسيط هو أن الدولة المتوافقة مع الحياة الحديثة لا يمكن أن تكون بالطريقة التي يفكرون بها فلديهم إشكالية كبيرة تتمثل في رغبتهم الدائمة بنقل صورة محددة للحياة الاجتماعية من تاريخ بداية الإسلام ومن ثم تطبيقها على المسلمين أجمعين وهذا ما ظهر في مراحل زمنية مختلفة من تجارب الإسلام السياسي التي مر بها العالم الإسلامي وخصوصا في العصر الحديث.
فعندما سنحت الفرصة لتجربة الإسلام السياسي على الواقع كانت النتيجة مؤلمة وشاهدناها في الجزائر وأفغانستان وغزة وغيرهم من الدول لأن المشروع لم يكن مشروعا سياسيا بقدر ما هو مشروع للإفتاء في كل القضايا...لقد تشكل مفهوم الإسلام السياسي كما هو ظاهر عبر تاريخه تحت مظلة دنيوية تتمثل في الوصول إلى السلطة وكما هو معروف فالإسلام ليس دينيا سلطويا بالدرجة الأولى ولذلك فإن تنامي مصطلح الإسلام السياسي جاء كردة (فعل لحركات الوحدة العربية وهزائم العرب من اسرئيل) وقبلها الاستعمار وسقوط الدولة العثمانية.
الإسلام السياسي خطأ تاريخي يجب تصحيحه ليس لمصلحة الشعوب فقط وإنما لمصلحة الإسلام نفسه وهذا ما لا يفهمه كل الإسلاميين أو لنقل لا يريدون فهمه، فعبر التاريخ حقق الإسلام انتشارا واسعا بالمنهجية الاجتماعية المعتمدة على البعد السلوكي في عكس ماهية الإسلام.
فعبر التاريخ حقق الانتشار السلمي للإسلام تفوقا على الانتشار العسكري لذلك توقفت الحروب الداعية إلى نشر الإسلام بالحرب في مراحل متقدمة من التاريخ الإسلامي وقد تكون آخرها (حروب الردة) واستبدلت بحروب ذات بعد سياسي لبناء الدولة الإسلامية ذات العلاقة المكتملة والناضجة بين الدين والدنيا.
إن خطورة الإسلام السياسي تتمثل في جانبين الأول أن فكرته التاريخية غير صحيحة في أساسها وفقا لمعطيات التاريخ، ولو سمح رواد الإسلام السياسي لأنفسهم بقراءة تاريخ المائة سنة الأولى من الإسلام لما ساهموا في إيجاد فكرتهم، فلذلك يجب أن لا نتردد في تسمية الإسلام السياسي بأنه خطأ تاريخي في حق الإسلام والمسلمين.
ثانيا إن نزع فكرة الإسلام السياسي من عقول الكثير من المسلمين لن يتحقق فقط بمواجهة حركات العنف كالقاعدة وغيرها وإنما يتحقق كذلك في فتح القضية فكريا والسماح بمناقشتها على المستويات الفكرية والسياسية على حد سواء.
وبدلا من مجابهة ذلك وضع الاسلام السياسي كأفضل لعبة من العاب الماسونية لمخطط حربهم القادمة في الشرق الاوسط حيث كان التطرف الديني والغلو في العنصرية والعنف باسم الدين افضل طعم لتمزيق الامم..وهذا ما اثبت نجاحه تاريخيا عبر العصور
إرسال تعليق Blogger Facebook