هل من حق الآباء التحكم في الصفات الوراثية لأبنائهم؟ هذا السؤال يثير جدلاً دينياً وعلمياً على حد سواء .. وما سوف نعرضه في السطور التالية هو من جانب علمي بحت ..
دائما ما ينشأ جدل واسع عند طرح فكرة تطبيق الهندسة الوراثية على البشر لجعل المواليد يحملون صفات معينة قد لا تتوفر في آبائهم. وربما يأتي اليوم الذي يكون هذا الفرض فيه حقيقة.. فيتمكن الآباء من تعديل الصفات الوراثية لأبنائهم مثل الطول والذكاء والقدرة العضلية أو تجنب إصابتهم ببعض الأمراض الوراثية.
لكن هل يعنى هذا التعديل الاتجاه نحو الصفات الأفضل دائما أم يمكن أن تنتج بعض المشاكل الوراثية الغير متوقعة؟؟
ما يقصد بالهندسة الوراثية هو تلاعب إنساني مباشر بالمادة الوراثية للكائن الحي بطريقة لا تحدث في الظروف الطبيعية ويعتبر أي كائن حي يتم إنتاجه باستخدام هذه التقنيات كائناً معدلاً وراثيا.
تم تطبيق الهندسة الوراثية بشكل فعلى منذ سبعينات القرن الماضي. فكانت البكتيريا هي أول الكائنات التي تمت هندستها وراثيا في عام 1973 ومن ثم تلتها الفئران في عام 1974، وقد تم بيع الإنسولين الذي تنتجه البكتيريا في عام 1982 بينما بدأ بيع الغذاء المعدل وراثيا منذ عام 1994.
يشير الجانب المعارض للتعديلات الوراثية على البشر إلى أن التعامل مع البشر مختلف تماما عنه في النبات والحيوان لأنه عند فشل تطبيق هذه العمليات على المحاصيل والحيوانات يمكن التخلص منها ببساطة وهو ما لا يمكن تنفيذه مع البشر! وحدوث مثل هذه الأخطاء وارد جداً في مثل هذه الحالات.
ومثال على ذلك صفة الطول والتى يتحكم بها على الأقل 50 جيناً تمثل من 2 إلى 3 بالمائة فقط من التباين بين الأفراد لذلك فإن التحم في صفة الطول وهو أمر بالغ التعقيد لذا ينصح المتخصصون أنه إذا ما أردت طفلاً طويلاً تزج شخصاً طويلاً ربما يكون هذا أسهل!
وعلى الجانب الآخر يقف المؤيدون ويعرضون حججهم ملوحين بأن الآباء لديهم رغبة قوية في منح أبناءهم حياة أفضل وهو ما ستوفره لهم التعديلات الوراثية بمنحهم صفات قد لا يكونوا هم أنفسهم يملكونها. كما أن احتمالية حدوث أخطاء لا يجب أن تقف عائقا أمام التطبيق الفعلي للهندسة الوراثية لأن عملية التكاثر بأكملها هي عملية محفوفة بالاحتمالات والمخاطر حتى من دون أي تدخل.
ومن بين النقاط التي تدخل ضمن دائرة الجدل هو ما يعرف باسم انتقال الميتوكوندريا (mitochondrial transfer)، والميتوكوندريا هي عضيات داخل الخلية النباتية والحيوانية مسئولة عن توليد الطاقة داخل الخلية. وفي بعض الأحيان النادرة يحدث فشل في انتقال الحمض النووي داخل الميتوكوندريا في الانتقال من الأم إلى الجنين وهو ما قد يسبب مشكلات كثيرة قد تؤدي إلى الوفاة.
هذه الحالة يمكن التغلب عليها عن طريق التبرع بالمادة الوراثية في الميتوكوندريا من سيدة أخرى وبذلك يحمل الطفل بعد ولادته جينات أبويه الحقيقيين بالإضافة إلى جينات الأم المتبرعة. هذه هي أحد الأدلة التي يرتكز عليها المؤيدون في أن منع هذا التبرع قد يحيل دون حصول الأم التي تعاني من اضطرابات الميتوكوندريا من التمتع بطفل سليم.
ثم يأتي الجانب المعارض ليوضح بأن منع حدوث فشل في انتقال المادة الوراثية بين الأم والجنين لا يعنى ولادة طفل سليم فمازالت الاحتمالات قائمة بحدوث أمراض وراثية أخرى.
وهناك بعض التحفظات على إجراء التعديلات الجينية حتى لا يتم استغلالها في أغراض قد تكون سياسية كما حدث من قبل مع النظام النازى فيما عرف باسم تحسين النسل عن طريق إجراء تناسل انتقائي.
ولكن بالرغم من هذا الجدل تبقى نقطة الالتقاء بين الفريقين هي أن هذه التقنيات المتطورة يجب أن توضع في مسارها الصحيح في إطار المساهمة في إنجاب أطفال أكثر صحة وسلامة جسدية وتجنب ظهور الأمراض الوراثية قدر الإمكان وأن لا يستغل هذا في التحكم في صفات جسدية شكلية قد تضر بصحة الجنين مستقبلاً.
إرسال تعليق Blogger Facebook