تركز إفريقيا على نحو متزايد على البحث في مجال التكنولوجيات الخاصة بحماية المناخ، وهي تكلل بنجاح كبير خصوصا عندما تساهم في دعم الاقتصاد بالإضافة إلى حماية المناخ، كما يقول أحد الباحثين الأفارقة الرواد.
تأثرت أفريقيا بشدة من تبعات التغير المناخي، وهذا يأتي على رأس الأسباب التي دفعت القارة السمراء في السنوات الأخيرة إلى الاستثمار بكثافة في مجالي البحث والابتكار بهدف مواجهة هذا الخطر. وقد تم تأسيس مركز للابتكار في كينيا، أطلق عليه اسم "شبكة شرق إفريقيا لتطوير المناخ"، كما قام الاتحاد الأفريقي في عام 2012 بتكوين مجلس استشاري للعلوم والتكنولوجيا والابتكار، وتتمثل مهمته في استكشاف مشاكل القارة ووضع الحلول.رئيس هذا المجلس الثاني هو الكيني الأصل جوما كاليستوس والذي يحمل درجة الدكتوراة في مجال التنمية الدولية والتطبيقية من جامعة هارفارد. يتولى كاليستوس مهمة التنسيق للمشروعين الذين ينفذهما المجلس، ويتعلق الأول بالعلم والتكنولوجيا والعولمة، أما المشروع الآخر فيتعلق بالتنمية الزراعية في إفريقيا.كما أن كاليستوس قام أيضا بتأسيس المركز الإفريقي للدراسات التكنولوجية (ACTS) في نيروبي.وقد نشرت له كذلك العديد من الأبحاث العلمية في مجال العلوم والتكنولوجيا والتنمية المستدامة.
"أفكار عالمية" أجرت معه حوارا عبر البريد الإلكتروني، تطرقت فيه إلى التحديات والإمكانات المترتبة على التغير المناخي في إفريقيا، وحول القوى الدافعة وراء الزخم الحالي من الابتكارات، ودور الجامعات الإفريقية في هذا المجال، والسبب في مساهمة التفكير العلمي المتصلب والصارم في مجال البحث في إعاقة التقدم بشكل متكرر.
أفكار عالمية: هل هناك تغير في مجال البحوث والتوعية بقضايا المناخ في إفريقيا؟
أنشأ البنك الدولي في كينيا العام الماضي مركزا للابتكار في مجال المناخ، بهدف دعم الشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا الخضراء، وأيضا بهدف لفت الانتباه إلى ظاهرة التغير المناخي في المنطقة.ما رأيكم في مثل هذه المبادرات؟
إن مؤسسات مثل البنك الدولي ستساعد كثيرا إذا ما أقامت مثل هذه المراكز في الجامعات الموجودة أصلا في إفريقيا، إذسيستفيد من ذلك أعضاء هيئة التدريس والطلاب أيضا. لكن عندما يتم تأسيس مراكز كهيئات خارجية ومستقلة، فإن ذلك ينقل رسالة خاطئة إلى الجامعات العريقة، وستكون هناك حساسيات بالطبع وقد ينشأ نوع من الرفض أو المقاومة، حتى حيال الأفكار الجيدة.ولا معنى للحديث عن البحوث المناخية في القارة الإفريقية دون إشراك المراكز التعليمية في القارة وعلى رأسها الجامعات بطبيعة الحال.
ما هي العوامل التي لا تزال تعيق البحث والابتكار في أفريقيا؟
أعتقد أن أنماط التفكير الجامدة من أكبر العقبات التي تعيق تطور البحوث المناخية. وهناك ميل إلى الفصل بين أبحاث المناخ وتطور البلاد،وهذا لا يقلل من أهمية الموضوع فحسب، ولكنه يقلل أيضا من مشاركة القطاع غير الحكومي. الكثير من الحلول يمكن أن تأتي ممن لا يعدون بالضرورة باحثين في مجال المناخ، وهم مثلا أناس مهتمين بمسألة كفاءة استخدام الطاقة ربما لأسباب اقتصادية بحتة، لكن مساهمتهم في هذا الصدد يمكن أن تكون ذات أهمية كبيرة في أجندات حماية المناخ.
عامل آخر مؤثر هو الميل إلى حصر جزء كبير من البحوث المناخية على مسألة انبعاثات ثاني أكسيدالكربون. يجب علينا أن لا نغفل حقيقة أن إفريقيا ليس لديها الكثير من الصناعات، وبالتالي فهي تتسبب في كميات صغيرة فقط من الانبعاثات الضارة. العديد من الناس سيهتمون بمسألة حماية المناخ أكثر إذا تم ذلك في سياق أوسع حول التدهور البيئي.
ماذا يمكن لأفريقيا أن تفعل من أجل تقديم مساهمة مستقلة لأبحاث المناخ العالمية؟
أعتقد أن أعظم إسهام لإفريقيا يتمثل في مواجهة التحديات الاقتصادية وتحقيق أهداف حماية البيئية في آن واحد،وهذا شرط أساسي لتحقيق التنمية المستدامة. لن يكون من المفيد تجاهل الاحتياجات الاقتصادية والتركيز فقط على الاحتياجات البيئية. وقد ترك العالم الصناعي إرثا يتمثل في الفصل بين الاقتصاد والاحتياجات البيئية، وعلى أفريقيا أن تتجنب السير على الطريق نفسه.
بحسب رأيكم، في أي المناطق يوجد نهج ناجح بالفعل في مكافحة التغير المناخي؟
هل عنيتم أن جهود حماية المناخ، لا تشجع ولا تدعم الابتكارات ذات الكلفة المنخفضة في إفريقيا كالمصابيح الشمسية أو مواقد الطاقة الشمسية على سبيل المثال؟
العديد من نماذج الطاقة الخضراء كالطاقة الشمسية مثلا، تم تطويرها بناء على مزاياها ااقتصادية أو لمجرد أنها تساهم في توفير مزيد من الراحة للمستهلك، لكنها تمتلك أيضاً فوائد بيئية. إلا أنني لا أعتقد أنها حظيت بالقبول من أجل حل مشاكل المناخ. هذا هو الطريق الذي يجب أن تسلكه إفريقيا، فهناك العديد من التقنيات غير المكلفة والفعالة في الوقت ذاته، وهي تحقق فوائد جمة فيما يتعلق بصحة البيئة. ومن هنا سيكون من الأجدر التركيز على الجانب الاقتصادي وجانب كفاءة الطاقة، وهذا سيعود بالنفع أيضا على البيئة.
بالنظر إلى وضع البنية التحتية في إفريقيا،ما زالت هناك ضرورة للقيام بالكثير من العمل. الملايين في القارة ليس لديهم إمكانية الحصول على الكهرباء. لكن ألا يتعارض هذا مع المحاولات الرامية إلى تحقيق الكفاءة في استخدام الطاقة؟
صحيح أن إمكانية الوصول إلى شبكة الكهرباء التقليدية غير متوفرة فيأجزاء كثيرة من أفريقيا. وهذا يضعنا أمام تحديات، لكنه يمنحنا أيضا فرصة للتركيز على نظم لامركزية جديدة، مثل طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، والإمكانات في مجال تكنولوجيا الطاقة المتجددة اللامركزية هائلة للغاية، خاصة إذا ما استمرت الأسعار في الانخفاض. وسيكون في مصلحة إفريقيا مواصلة التركيز على ذلك، ما يتطلب بالطبع توفر الظروف الملائمة. على سبيل المثال، هناك حاجة إلى تغيير القواعد التي تحكم عمليات البناء، بحيث تجعل أمر بناء الألواح الشمسية على أسطح المباني يتم بيسر وبدون تعقيدات.
ستظل الحاجة إلى الأشكال التقليدية للطاقة مثل الطاقة الكهرومائية قائمة، بسبب قلة توافر الطاقة. يجب على أفريقيا التصرف بأسلوب عملي، فالصين على سبيل المثال، بدأت بمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وهي الآن ضمن الدول الرائدة في مجال الطاقات المتجددة.ويمكن لإفريقيا أن تبدأ بهجين من الطاقة كمرحلة أولى، وهذا هو الأفضل فالآن تتوفر تكنولوجيات نظيفة لم تكن متوفرة للصين آنذاك. وبالتالي يمكن لإفريقيا أن تستفيد من المعرفة المتوفرة في الوقت الراهن، من أجل حل المشاكل التي تعانيها في مجالات مثل الطاقة والبيئة.
إرسال تعليق Blogger Facebook