قد تكون الازمة السورية تفوق ما سبقها من أزمات في دول "الخديعة العربية" من حيث الإنقسام العربي والعالمي للرفض والتأييد لتوجيه ضربة عسكرية للشقيقة سوريا...ولشدة الأسف ما زالت الشعوب العربية تتعامل مع تلك الأزمة الشديدة الخطورة من منطلق محبي ومعارضي نظام الأسد دون تحليل لذلك المخطط الأكبر الذي لا يخفى على أعمى!!!!... فالعاقل ليس بذاك الذي يدرك الخطأ من الصواب والخير من الشر.. بل العاقل هو ذاك الذي يدرك أخير الخيرين وأشر الشرين... وبصرف النظر عن طبيعة أخطاء نظام الأسد.. فمغيب هو من يعتقد ان التدخل الغربي المخطط من عقود سيترك أي ملامح لمفهوم وطن في سوريا.. ليس بمغيب فقط.. بل يصل للخيانة بأقصى صورها!!!!
فلم يعد بأمر خفي أن سوريا بالتحديد هي الشرارة المزمعة للحرب القادمة...وذلك لوضعها المثالي مع حلفائها المناوئين لرأس الحربة الأمريكية وحلفائها في الجانب المقابل.. وبخاصة إيران..ذلك القطب الشيعي المهيأ للمواجهة مع القطب السني بحسب ما تم تخطيطه للمنطقة من حرب مذهبية... ولموقعها في قلب العالم العربي كنقطة انطلاق مع التجهيز بالطبع لمانشيت حماية أمن اسرائيل من جانب وإثارة الدب الروسي وخطوط غازه الرئيسية المغذي الأساسي لاوروبا.. وميزان قوته من جانب آخر...ولا يغيب عنا أهمية تفكيك ثالث جيش عربي وترسانته المسلحة... وتلك خطوة مهمة وفي غاية الخطورة تمس أيضا ما تم إفشاله في مصر وتفكيك الجيش المصري.. حيث تعتبر سوريا امتداد فعلي للأمن القومي المصري!!!!... ولم يعد خفيا ما تم تخطيطه لسوريا من التقسيم لما يسمى "أربع كنتونات"... وبخاصة انها مهيأة بالفعل لذلك التقسيم إذا تم الدخول عسكريا بها لما تحويه من طوائف مذهبية متعددة متمركزة في مناطق منفصلة في الداخل السوري تم بالفعل العمل على إيقاد نار الفتن المذهبية بين بعضها البعض وبخاصة مع توغل مرتزقة القاعدة ضمن عصابات الموت التي تم إغراق الداخل السوري بها... الخلاصة.. سوريا قنبلة إذا انفجرت لا قدر الله ستفجر جميع الأوضاع العالمية بلا أية مبالغة!!!!!
وتناسينا في كل هذا تاريخ من الأكاذيب والدعاية التي تستخدمها الحكومة الأمريكية لتبرير التدخل العسكري كما حدث في نموذج حرب العراق... لكن الأهم في وجه التشابه هو فضيحة دور دونالد رامسفيلد في توريد الأسلحة الكيماوية لصدام في عام 1980!!!!! وبرغم اننا اثبتنا وسنثبت أن تلك الأسلحة الكيماوية لم تستخدم من قبل نظام الأسد على الإطلاق وبأكثر من دليل يعلوها تقرير مبعوثي الأمم المتحدة السابق..إلا ان علينا ألا نتناسى تصريح أوباما في 20 مارس الماضي بمنتهى الوضوح "إن استخدام لأسلحة الكيماوية سيغير تماما قواعد اللعبة"!!!!... أدلة متزايدة ظهرت للنور من وثائق الخبراء ومن قبل وسائل الإعلام البديلة دمرت مصداقية الحكومة الأمريكية مما جعل 9% فقط من الأميركيين تدعم التدخل العسكري في سوريا وذلك الرد فعل العنيف لمعارضة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بعد أن صوت البرلمان البريطاني ضد العمل العسكري ومع ذلك قرر كاميرون ارسال طائرات عسكرية الى قبرص مدعيا ان هذه الخطوة "دفاعية "...
وعلى الرغم من محاولة إدارة أوباما لإلقاء اللوم على نظام الأسد في الهجوم الكيماوي دون وجود أي "دليل دامغ" و حتى الآن عن مسؤولية النظام عن تلك الهجمات..وبخاصة مع ما قدمه نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد من أدلة للعرض على الأمم المتحدة تشير بقوة إلى مسؤولية المتمردين بقيادة الهجوم الكيماوي ...بما في ذلك أشرطة الفيديو يوتيوب المتعددة والتي تظهر بعض المتمردين الذين يشنون هجمات كيميائية على أهداف مدنية...لكن في نفس الوقت لم تكن هناك أية مساءلة قانونية أو وقفة للمجتمع الدولي من دعم الولايات المتحدة وبريطانيا لمسلحي " المعارضة السورية " وضم ما يقرب من 40.000 من أبشع وأعنف ما تم توريده من الكتائب تحت مظلة الإسلامية الأصولية الإرهابية في العالم على الاطلاق وعصابات الموت المتخصصة الذين تم نشرهم في سوريا ...ففي هذه الحرب القذرة بالوكالة.. حياة الإنسان لا تعني أي شيء للسادة و ومخططهم وتدفقات الأموال والسلاح إلى عصابات المرتزقة الموردة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا ومقاوليها من تركيا وقطر والحلفاء من داخل المملكة العربية السعودية ...واشراف إدارة شركة بلاك ووتر تحت المسمى الجديد (اكس زون) والمتعاقدين من العسكريين الفاعلين كالمرتزقة انطلاقا من قبرص وغيرها من المواقع ..بالاضافة لمن تم تجنيدهم من الداخل السوري في حربهم للاطاحة بالحكومة السورية .. و يتم توفير غطاء سياسي من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا و فرنسا وتركيا وإسرائيل وغيرهم ممن يسعون للاستفادة من تحطيم الدولة القومية السورية لتحريك شرارة الحرب التي تأجلت أكثر مما كان متوقعا....وهم يعتمدون على اللامبالاة العامة ولغضب و فوضى الدعاية من أجل تمهيد طريقها لمزيد من العنف الشديد ...
نعم ..لقد تم شراء قادة ودفع ثمنها...وقد تم شراء وسائل الإعلام الرئيسية ودفع ثمنها... ولكن الجمهور لم يتم شراؤه ولم يدفع ثمنه حتى الآن و هذا انتصار صغير على الطغيان العالمي لا يمكن أن ينمحى..
فسوريا ليست سوى نقطة انطلاق نحو الهدف المعلن لتحالف واشنطن ولندن وإسرائيل علنا للحرب مع إيران ...والخطوة التالية من قبل هذه الرابطة هو تفكك سوريا ومن ثم اثارة الاضطرابات في لبنان لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط من أجل تدمير "الجسر البري" الشيعي الذي يربط إيران إلى البحر الأبيض المتوسط... وبالتالي الدفع إلى المواجهة السطحية بين الولايات المتحدة والناتو في جانب وروسيا و الصين من جهة أخرى...أما في داخل المنطقة العربية فيتناحر قطبي السنة والشيعة وحلفاء كلاهما....
وطبقا للدستور الأمريكي في المادة الأولى القسم 8 لا تتاح صلاحيات شن الحرب الا من قبل الكونجرس في حالة الدفاع عن النفس داخليا.. ولا يمكن أن إعلان الحرب على دولة خارجية دون تفويض من مجلس الأمن وإلا كان اعتداء وجريمة حرب... فلا معنى لتصريح اوباما: "سأسعى لاستخدام القوة من ممثلي الشعب الاميركي في الكونجرس".. فاوباما اكثر من مجرد طاغية مهمته الرئيسية شن حرب على الإنسانية ولذلك تم منحه فترة ولاية ثانية... لقيادة عدوان ينعدم فيه القانون... فشن الحرب ليس له اي علاقة بالأمن القومي ... انها فقط للهيمنة على العالم دون منازع...
فكذب أوباما مدعيا استخدام الأسد الأسلحة الكيميائية دون تحقيق وباهمال لتقرير مبعوثي الامم المتحدة السابق دليل واضح يثبت استخدام الإرهابيين المسلحين لها عدة مرات وبخاصة ما حدث في الغوطة... وقد اعترف المتمردون في ضاحية دمشق من الغوطة لأسوشيتد برس في تحقيق كامل مع المراسل "دايل جافلاك" أنهم كانوا وراء حادث الأسلحة الكيميائية لذي اتهم به قوات بشار الأسد ..وانه كان نتيجة لحادث بسبب جهل المتمردون بأنها أسلحة كيميائية وكيفية استخدمها بعد أن قدمت لهم عبر الوسيط السعودي الأمير بندر بن سلطان!!!!....وصدق على هذا العديد من المقابلات مع الأطباء والمقيمين في الغوطة ..لكن علينا ملاحظة انه سيكون هناك منتفعين كثر من وراء تلك الحرب... فمن المعروف أن قطر تريد تشغيل خط أنابيب الغاز الطبيعي من الخليج العربي عبر سوريا إلى أوروبا..هذا اسباب ضخ قطر المليارات من الدولارات للحرب الأهلية في سوريا...
ومن ناحية اخرى تعهد أوباما بأن الهجوم سيكون " ضربة عسكرية محدودة " وليس حرب شاملة مع سوريا ..ولكن ماذا عن رد فعل سوريا وحزب الله و إيران؟؟؟
رد الفعل الطبيعي ضرب سفينة تابعة للبحرية الأميركية او اراقة الدماء الأمريكية ..أو صواريخ تمطر تل أبيب ...وهذا يكفي لدخول الولايات المتحدة في حرب شاملة...
من ناحية اخرى هيأت امريكا المملكة السعودية للتحضر لحرب وشيكة تعدها ايران مع حلفائها على أساس مذهبي..لذا نعود للدفع بالمنطقة لحرب طائفية... وأيديولوجيا ..فإن هذه البلدان تم تعبئتهم من خلال وسائل مباشرة أو غير مباشرة كأدوات للتطرف..ولذا تم إطلاق مفهوم "الجهاد في سوريا وتمويل و تسليح عدة مجموعات للقيام بأعمال الإرهاب و انتشار الفوضى ..وتساعد بها اطراف من المملكة العربية السعودية من خلال كل من الفكر الوهابي والوسائل المالية وعلى رأسهم الامير بندر بن سلطان.... و بعد قليل من تصويت البرلمان البريطاني ضد التدخل العسكري في سوريا ..رفعت السعودية من مستوى " جاهزية الدفاع " من "خمسة" إلى "اثنين" في إشارة واضحة أنهم يتوقعون تماما حربا قادمة...عززها تصريح رئيس المخابرات السعودية أن الخلاف حول النهج المتبع في المسألة السورية يؤدي إلى استنتاج مفاده أن "لا مفر من الخيار العسكري"!!!!
لكن الواقع الذي لا تعيه الغالبية أن أمريكا بالرغم من تهيئة العالم لبدء الحرب المزعومة..إلا انها تعاني من تداعيات متعددة تجعلها في وضع لا يمكن من خلاله توجيه تلك الضربات في الوقت الحالي... خاصة مع انفلات الأمر على أرض الواقع ناهينا عن الأزمات الغير معلنة داخليا في امكانيات وجهوزية أمريكا لعواقب تغيرت معطياتها على ارض الواقع.. يعززها الموقف الروسي الذي لعب دورا هاما على الساحة السياسية في الوقت الحالي..وطرح خيارات منطقية للتفتيش الداخلي ونقل تلك الاسلحة "إذا وجدت" من داخل سوريا... وردود الأفعال المنفلته نتيجة لصمود نظام الأسد وترسانته الدفاعية المعدة... وانفلات الهيمنة الأمريكية الذي تم في الواقع المصري بعد إسقاط نظام الإخوان وفقد تأمين الجبهة الغربية للقتال.. وعدم الإستعداد الكافي لوجيستيا ومخابراتيا لردة الفعل من الجانب الإيراني...
نعم..قد نعلم جميعنا بما وراء إشعال الحرب في المنطقة بأسرها من سوريا.. لكن ذلك المخطط الذي تم تأجيله مرارا وتكرارا بصورة تفضح النظام الغربي يتداعى ثانية الآن...يتداعى بالفعل في الوقت الراهن برغم كافة تصريحات الخبراء...وأجد انه لا مفر من تأجيل الضربات المزعومة...لن توجد ضربات عسكرية في الوقت الحالي بإذن الله برغم كل ما يدور على الساحة..وبرغم كل ما تم النجاح في تحقيقه..وما يحدث الآن سيكون محاولات لتخفيف تلك الورطة إلى اجل غير مسمى!!!!!
إرسال تعليق Blogger Facebook