1/11/2015 -

الدرع الحديدية

عمرو عبدالرحمن – يكتب
ورد إلي بريدي هذه الرسالة من قارئة صديقة، شدني إليها ذلك الحس الوطني المكتوبة به كلماتها، وفي نفس الوقت غيرة صاحبتها علي بلدها، والأهم كثرة الأسئلة التي تضمنتها، وكلها تكشف إلي أي مدي هناك تقصير واضح من جانبي في توضيح مفردات رسالتي الإعلامية إلي حد اتهامي من صاحبة الرسالة بالانحياز للنخبة و”النظام” علي حساب البسطاء من هذا الشعب الفقير في غالبية قطاعاته، ثم من الإعلام الرسمي للدولة وهو المنوط بالدرجة الأولي بمخاطبة المواطن المصري.
أتركك عزيزي القارئ في البداية، مع نص الرسالة كما وردتني (بتنسيق مهني بسيط مني دون مساس بجوهر ومعني الرسالة) .. وبعدها أستأذنك كما أستأذن صاحبة الرسالة في استعمال حقي في الرد.
** تقول الرسالة : (حساك متحيز اوووى للنظام . تشيد وتمدح بانجازاته وايجابياته وتغض الطرف عن مساوئه وعيوبه. اين حق الشهداء من ضحايا الكراسى واﻻنظمه؟؟ . ماذا عن مهرجان البراءة للجميع وبخاصه لعصابة النظام القديم . عندما نرى حقوق ضاعت من اجل اناس وصلوا للكراسى سواء اخوان او فلول وإعلام يطبل ويزمر . ما الذى جناه اﻻنسان البسيط ومحدودوا الدخل من تلك الثورات ؟ غلاء اسعار وزياده فى معاشات القوات المسلحه فقط . بالبلدى كدا انت مع الطبقه الراقية مش مع الحزين الغلبان اللى ابنه مات واتعرت بنته وبيدور فى الزباله على لقمة عيشه . حساك مع الضباط وناسى الجندى الغلبان . معلش ده احساسى بقلمك اليومين اللى فاتوا . معاك فى هجومك على اﻻخوان . بس بلدك تسعى الى المصالحه معاهم وهتصالحهم . علشان فيه اتفاقيات وحسابات تانيه سياسيه بينهم . زي ما طبيعي أي صراع ينتهي بالمصالحه حتى ده حصل مع اسرائيل نفسها . احنا بقى فين من كل ده ؟؟؟ فين حق الشعب الغلبان الشباب اللى بتتخرج بعد ما اهلهم يطفحو الدم لحد ما ياخدو شهادتهم ؟؟ . الطبقات الفقيره ومحدودى الدخل وﻻ دول اللى بنلعب بهم فى مهرجانات السياسه واﻻنتخابات بس ؟؟؟ انت لو غنى بالوراثه وباباك مأمن مستقبلك زمانك بتضحك على كلامي . بس من زمان وانا عايزه اقولك مهنه الصحافه امانه ﻻزم تكون زى الكاميرا بتتحرك فى كل اﻻتجاهات مش تركز ضوءك على مكان واحد بس وتخدمه طيب فين باقى طبقات الشعب يا صديقى؟ )…
** واضح تماما من سطور الرسالة كم من المرارة ربما لا تدري كاتبتها أنها ذات المرارة التي في حلق كاتب هذه السطور – الآن – فالكثير منا لازال يشعر أنه معلق في الهواء وأن مصيره مجهول لا يدري إن كان جنةً أم جحيماً علي هذه الأرض الطيبة التي تكاد تئن بأوجاع أهلها وصراخهم الصامت منذ عقود طويلة.
وقبل استرسالي في الرد، لابد أن ألفت انتباه صديقتي صاحبة الرسالة والقراء – في آن – إلي أمور في غاية الأهمية، تتعلق بمسميات شائعة لابد من تصحيحها فورا:
أن الدولة الآن بلا نظام حاكم وأن الشعب وحده الآن هو السلطة القادرة علي اتخاذ أي قرار ولا سلطة سواه.
الدليل علي ذلك أن الشعب هو الذي طالب رجل اسمه “عبدالفتاح السيسي” أن يكون القائد لهذا الشعب في تحركه التاريخي الكبير نحو الثورة علي النظام العالمي الجديد الذي كادت مصر تسقط في براثن مؤامرته التخريبية – الطائفية (الشرق الأوسط الكبير – سايكس بيكو الثانية) التي سقطت في وحلها كلٌ من اليمن وليبيا وسورية والعراق وحتي تونس قبل أن تفيق مؤخرا وتتمرد – سياسيا – علي حكامها من جماعة الإرهاب.
وبالمناسبة فإن المقارنة بين تونس ومصر معدومة أصلا لاختلاف التركيبة المجتمعية والتوازنات السياسية.
والشعب كان أيضا هو صاحب القرار في إقدام “السيسي” علي الترشح رئيسا، ولولا الخشية من اتهام بعدم المشروعية الدولية لتم تنصيب السيسي ملكا لمصر ……. فقد كانت الانتخابات الرئاسية، شأنا بروتوكوليا محضا للحفاظ علي تماسك الدولة دستوريا وصيانة مصداقية نظامها الجديد أمام العالم.
أن الرجل الذي يرأس مصر الآن لا حزب له……. ولن يكون له، ببساطة لأن الرجل “عسكري” بالمقام الأول، لا علاقة له إطلاقا ببركة الفساد السياسي الذي تعوم فوقها مصر منذ نحو قرنين من الزمان.. بالتالي فهو برئ من انتمائه لأي (نظام) سابق أو حالي، بل انتماؤه الأول لمصر شعبا وجيشا.
والرجل الذي يحكم مصر الآن يواجه بحرب إعلامية من جميع المنابر الإعلامية في مصر وخارجها، بدءا من قناة سي إن إن الأميركية وبي بي سي البريطانية، والجزيرة القطرية ووكالات الأنباء التركية – هذا خارجيا.
أما داخليا فهناك عشرات من قنوات وشبكات التواص الاجتماعي التابعة للجماعات الإرهابية (إخوانية وسلفية) وتتفق معها في كثير من الأحيان – للأسف – بعض من القنوات الفضائية المملوكة لرجال أعمال النظام البائد، الطامعين في استعادة نفوذهم واستمالة الرئيس الجديد تحت إبطهم .. وإذا لم يرضخ فالهجوم والنقد لكل شيئ في مصر حتي للشرطة حينما يسقط شهداؤها ضحايا الإرهاب، فنري كيف “تطوعت” صحيفة تبدو ظاهريا بأنها من معسكر ثورة الشعب في 30 / 6 لكي تكشف ملف العلاج بفيروس سي وتتخذه سيفا مسلطا علي الجيش بأكمله، وذلك بالنيابة عن صحف الإخوان، أو يظهر الإعلامي الفلاني أو الإعلامية الفلانية متسائلة في خبث لا يخلو من (هطل) : إيه البدلة اللي كان لابسها خبير المفرقعات دي .. شوفوا تايوان بتلبس ضباطها بدل شكلها إيه؟؟؟!!!!!!
الأمر المؤكد الآن أن الرجل الذي يرأس مصر ويواجه أزماتها التي تراكمت وتفاقمت عبر عشرات السنين، يواجه مأزقا رهيبا وهو يحاول تأسيس الدولة الجديدة وحمايتها وفي نفس الوقت إنصاف الفقراء استعادة حقوق العمال والفلاحين وإنقاذ الموظفين من الهوان في الأرض، ببساطة لأنه أمام خيارين لاثالث لهما من أجل تشكيل “نظام” جديد يحكم مصر؛
= أولهما: استغلال النجاح الذي يصاحب كل مهمة تقوم بها المؤسسة العسكرية، وأن يختار منها رجالا لتشكيل وزارة وتعيين محافظين ورؤساء للهيئات العامة الرئيسة… ولكنه إن فعل ذلك لاتهم علي الفور بأنه يسعي لتحويل الدولة المدنية الحديثة إلي ثكنة عسكرية .. وبالتالي فهذا الخيار مرفوض مقدما.
= ثانيا: أن يختار رموزا وشخصيات سياسية من الأحزاب والقوي والحركات والائتلافات القائمة حاليا، أو المنتمية لأنظمة سابقة، كي يتم تشكيل نظام الحكم منها (حكومة ومحافظات ومؤسسات عامة) .. والواقع الذي لاجدال فيه وتؤكده مجريات الأحداث علي مدار الساعة، أن الساحة السياسية المصرية قد تحولت إلي مستنقع راكد لا يتحرك فيه إلا الفاسدين أو الفاشلين أو الرديف من بقايا هذا النظام أو ذاك، بينما علي الضفاف يترقب الحيتان والديناصورات الفرصة لالتهام ما بقي في ضرع مصر الجاف من “لبن”.. هذا إن كان فيه اصلا.!
وقد أسقطت السنوات الأربع الماضية جميع الأقنعة عن الذين كنا نحسبهم رموزا وقيادات، بلا استثناء لأي فرد.
فالمدعو “البرادعي” كشف عن وجهه القبيح بالانحياز إلي التنظيم العالمي للجماعة الإرهابية، وعلم الجميع بعلاقاته القذرة مع مجموعة الأزمات الدولية، التي يرأسها الماسوني جورج سوروس ويشاركه عضويتها عديد من تجار الخراب الدوليين.
والمدعو “نور” أصبحت صفقته التي باع فيها نفسه للإخوان كما باعها من قبل للأمريكان علي كل لسان.. وسرعان ما بدأ الناس يستعيدون تاريخه القديم، الذي حاول أن يرسم فيه نفسه كمناضل، عندما دخل السجن بتهمة تزوير توكيلات حقيرة، ولم يخرج منه إلا بضغط أميركي علي الرئيس الأسبق مبارك، بأمر من الإرهابية الماسونية كوندوليزا رايس” التي دشنت مؤامرة الفوضي الخلاقة علنا من تل أبيب في عام 2008…!
وحتي من كان يتوسم فيه البعض وجها ناصعا يمثل عوام المصريين ويذكرهم بملامح الزعيم الراحل “جمال عبد الناصر”، انكشفت سوأته واتضح أنه غارق حتي الثمالة في التنسيق للعودة إلي الساحة مع عناصر “الصف الأول” من عصابة الإخوان الإرهابية (زاعما أنه لا يتحالف إلا مع من لم تتلوث يده بالدماء) ويا لها كلمة حق يراد بها الباطل…!
** من هنا فالواقع الحالي لمصر يمكن تلخيصه في نقاط محددة:
= أن مصر كدولة لم تكتمل ملامحها بعد، وبالتالي فالنظام الحاكم لم يتشكل حتي الآن، وبذلك فمن المستبعد وضع أية خطط شاملة للتصدي لأزمات البلاد والشعب.
= أن مصر تواجه حربا عالمية بكل معني الكلمة، بدأت بالجيل الرابع من الحروب (عام 2011) ضمن نفس الحرب التي مسحت دولا بأكملها من علي خريطة المنطقة .. مثل ليبيا واليمن والعراق وبالطبع سورية علي الطريق للاختفاء عاجلا أو آجلا.
= أن الحرب علي مصر تخطت الأجيال من الرابع إلي الخامس والسادس وربما السابع… وإذا تمكنت مصر من الصمود أمام كل هذه الحروب، فستكون مرشحة للعودة إلي مواجهة الحرب في جيلها الأول أو الحرب التقليدية، أي جيش ضد جيش، بدلا من استخدام العناصر الموالية للعدو داخل البلاد من شخصيات ومنظمات ووسائل إعلام ممولة.
وهنا من السذاجة عدم الالتفات إلي أن قوات حلف النيتو بما فيها الأسطول التركي، تعيث فسادا في البحر المتوسط منذ عام 2011، وقد أصبحت بعد ثورة الثلاثين من يونيو أكثر شراسة في تحركاتها، التي وصلت حد المواجهة المباشرة مع قوات البحرية المصرية في البحرين الأبيض والأحمر، وهناك تفاصيل خطيرة في هذا الصدد ليس هذا أوان الكشف عنها.
= أن العقود العجاف التي مرت بها مصر علي مدي نصف قرن من الزمان، قد توجتها سنوات سبع عجاف، بدأت يوم 25 يناير 2011 ……. وقد أصبحنا الآن في منتصفها تماما، وبقي منها ثلاثة سنوات، علي الأرجح، وهي الأشد قسوة ودموية، ولن تنتهي إلا عبر سيناريوهين لا ثالث لهما:
الأول: أن تخرج مصر سليمة معافاة بعد حروب مريرة يخوضها المصريون ضد تحالف مكون من (أميركا – بريطانيا – فرنسا – تركيا وباقي حلف النيتو – قطر – التنظيم الدولي للإخوان – جميع عناصر الإخوان داخل مصر – عملاء الأجيال الرابع وحتي السابع من الحروب، بمافيهم المنظمات الحقوقية الممولة خارجيا وبعض الأحزاب الليبرالية والحركات اليسارية والتنظيمات الإرهابية من داعش وأنصار بيت المقدس وفجر ليبيا إلخ.)
الثاني: أن تنهار مصر تماما كدولة وتنقسم إلي دويلات طائفية خاضعة لسيطرة النظام العالمي الجديد، وتنتهي إلي ما انتهت إليه فعلا دولة سابقة – كان اسمها – “ليبيا” أو اليمن” أو “سورية”.. وكلها مسميات لا وجود لها الآن علي خارطة الشرق الأوسط.
ويبقي السؤال .. هل يعود المواطن المصري سلبيا كما كان؟
أو هل يسقط الشعب في فخ الظن بأنه قد انتهت مهمته بعد أن أسقط حكم الإرهاب واختار رئيسا جديدا مكتفيا بالانتظار حتي يهبط عليه المن والسلوي من السماء؟
أم تستمر إفاقته ويواصل معركته من أجل بناء الدولة، وتشكيل النظام الحاكم بيديه – لا بيدي أي شخص آخر ولا حتي الرئيس نفسه – وذلك عبر استكمال خارطة الطريق ومساندة رئيسه ودعم دستوره واختيار برلمان لا يضحك عليه أعضاؤه بأجولة الزيت والسكر وعباءات الدين .. ثم يستمر في دعمه لمؤسسته الأمنية والعسكرية، التي ستكون رأس حربته الوحيدة في معركته الكبري ضد النظام العالمي الجديد.. ولا يعود إلي منزله إلا بعد أن يتم المخاض وتولد مصر الجديدة وتنتهي السنين السبع العجاف إلي الأبد؟؟
هذه هي أسئلة الساعة التي لا يملك الإجابة عنها إلا : المصريون.
*** اللهم بلغت . اللهم فاشهد.
حفظ الله مصر ونصر شعبها وجيشها.

إرسال تعليق Blogger

 
Top