من مقاصد الشريعة الإسلامية:
يعد حفظ النفس هدفًا من أهداف تطبيق الشريعة بعد حفظ الدين, وبإزهاق النفس تنقطع الحياة التي هي من أجل النعم الله على الإنسان, ويتوقف عمله في الدنيا وكسبه ومتعته, ويؤدي إزهاق النفس لعواقب وخيمة على المجتمع؛ فالدراسات النفسية أثبتت أن من يقتل مرة يتهاون بعد ذلك في الدماء, ويصبح وحشًا كاسرًا لا يرعوي عن إزهاق الأنفس الكثيرة العدد, دون أن يهتز له جنان أو يتوقف ليفكر.
وتطور الأمر بالإنسان في العصر الحديث؛ فأصبح يتفنن في القتل ويتلذذ به, وبعد أن كان القتل له دوافع, أصبح القتل لمجرد القتل ليس إلا, هذا ينبئ عن حيوانية استبدت بإنسان العصر الحديث, رغم تطوره الحضاري وارتفاع مستويات المعيشة؛ فمن علَّم الإنسان هذه الجريمة المنكرة والمنهج البشع؟
أول من سن القتل:
كان أول من أزهق نفسًا على الأرض هو قابيل بن آدم الأول؛ إذ قتل أخاه هابيل حسدًا؛ فلمَّا أرداه قتيلا لم يعرف كيف يواري جثته؛ فألهمه الله بغرابين يقتتلان, قتل أحدهما الآخر, ثم حفر في الأرض بمنقاره ووارى جثة الآخر ففعل مثله, قال النبي – صلى الله عليه وسلم: ما من نفس تقتل إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه أول من سن القتل", أو كما قال.
انتشار القتل:
كان القتل حالات فردية متناثرة في بدء الحياة على الأرض, ثم كثرت الذرية, وتجهزت الجيوش, وانضبطت الممالك؛ فانتشر القتل بين أفراد الشعب الواحد, ثم بين الشعوب وبعضها, ولم يكن عدد القتلى يتجاوز بضع مئات أو آلاف على الأكثر بين الجيوش الكبرى, ثم أصبحت ملايين القتلى تتساقط؛ حتى إن العدد المسجل للقتلى في الحرب العالمية الثانية قُدِّر بنحو سبعين مليون شخص على امتداد العالم.
حدُّ القتل في الشريعة الإسلامية:
وتعتبر الشريعة الإسلامية القتل جريمة كبرى وخطيرة, وتعاقب عليه بمثله, وشدَّد القرآن على مرتكبها, قال تعالى: "من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفس بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا...".
وقد وصفه الله بالنقص؛ لأن الناس تقل بالقتل, وحياة الإنسان كما هو معلوم يتوقف عليها مصلحة من يعول في الأغلب من ذرية ضعاف وزوجة كسيرة, فوجب حماية نفسه, ورغب في العفو عن القاتل من قبل أولياء القتيل, وإلا قتل قصاصًا, وأباح دفع الدية مائة ناقة لأهل القتيل كتعويض عن قتل والدهم أو أخيهم أو ولدهم, وعند القتل الخطأ تكون الدية مخففة, ولإعلاء كلمة الله وتعظيم شأن ما قضى اله ورسوله, وتمكينًا لهيبة الدولة المسلمة في نفوس الناس؛ منعًا لانتشار الفوضى, لم يُبح لولي القتيل أن يقتل القاتل, وإنما يقتله الحاكم المسلم.
تفشي ظاهرة الثأر:
إيقاف تطبيق عقوبة الشرع الإسلامي بالقصاص من القاتل يعتبر ذريعة لخروج الكثير من المسلمين على الحاكم, وإهدار وإسراف بعضهم في القتل ثأرًا وغلا من القاتل.
وهذه الظاهرة منتشرة ومعروفة في المجتمعات كلها, ولكنها تغلب على المناطق التي تتسم بالعصبية للقبيلة أو العشيرة أو العائلة, وتعتبر الأمر شديد التعلق والمباشر للكرامة الإنسانية؛ مما لا يصلح معه سوى تنفيذ التشريع الذي يتلاءم فطريًّا مع هذه الطبيعة.
إرسال تعليق Blogger Facebook