الطاقة البشرية هي الوقود الحي الذي يغذي المجتمعات بالمهارات والصناعات والكوادر, التي تعمل وتنمي وتطور وتدافع وتنشر ثقافتها, وقد يسر الله لهذا الدين منذ بدايته العناصر البشرية, التي كانت لا تزال في طور الصغر, فأشبعت بالإيمان وحب العمل, وظلت تنعش الدولة الإسلامية والثقافة الإسلامية بالعقول الشابة والأجسام المشعلة بالحماسة, حتى زوى نور الحضارة الإسلامية, بعد أن سيطرت الكهول على كل شيء, حتى قيادة الجيوش, قال تعالى: "إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى"؛ فكان أصحاب الكهف الذين خالفوا شريعة قومهم الباطلة, وأرادوا الإصلاح واتخذوا التوحيد عقيدة ومنهاجًا من الفتيان الحديثي السن, وكذلك كان الأمر مع علي – كرم الله وجهه - الذي أسلم وعمره عشر سنوات, ومع الزبير بن العوام وعمار بن ياسر وعبد الله بن عباس والحسن والحسين حفيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
منطلقات التربية الإسلامية:
وتنطلق التربية الإسلامية للنشء من منطلقات عدة؛ أولها: تنشئة الفرد المسلم تنشئة خلقية ونفسية واجتماعية وبدنية مبكرة؛ إذ إن الفرد هو لبنة البناء الاجتماعي.
ثانيها: توجيه النشء – كل حسب طاقته – وميوله واتجاهاته ومواهبه؛ فالرجل المناسب في المكان المناسب.
ثالثًا: تحميل النشء المسؤولية مبكرًا حتى يتعود عليها, ويكتسب الخبرة والثقة بالنفس؛ فأسامة بن زيد تولى القيادة وعمره ستة عشر عامًا.
رابعًا: الاستفادة من طاقة النشء العقلية؛ فقد كان عمر يجمع الصبيان ويستشيرهم, ويقول: أتبع حدة أذهانهم.
أثر التربية الإسلامية للنشء:
كانت نتيجة تربية الإسلام للنشء بهذه الطريقة وعناية النبي – صلى الله عليه وسلم بذلك وصحابته من بعده - أثر لا يخفى في قوة تماسك البناء الفردي والاجتماعي للأمة, وتداركها لحالات الانشقاق والفرقة, وسرعة انتشار الفتوحات الإسلامية, والازدهار السريع والمؤثر والمهيمن للحضارة والثقافة الإسلامية في جميع أقطار الأرض.
وكان خلفاء بني أمية وبني العباس يجلسون أبناءهم في مجالس الحكم, ويشركونهم في شؤون الدولة؛ حتى يتدربوا عليها منذ سن مبكر, فظهر فيهم عبد الرحمن بن معاوية الأموي الشهير بصقر قريش وعمر بن عبد العزيز الخليفة العادل, الذي أمر والده بقص شعره لتأخره عن الصلاة.
وجلد عمر ولده في شرب الخمر, وجاهد عبد الله بن عمر وهو ابن خمسة عشر عامًا, وقتل أبا جهل بن هشام فتيان من الأنصار مراهقان, واستشهد أحدهما في المعركة نفسها, وكان معاذ بن جبل واليًا على اليمن وهو لا يزال شابًّا, وكان شيخ البخاري يخافه – وهو ابن عشر سنين – لشدة حفظه, وفتحت بلاد الهند على يد فتى لا يتجاوز سنه سبعة عشر عامًا, وكان الأمين والمأمون ولدا هارون الرشيد يختلفان حول إلباس مؤدبهما حذاءه, وهما وليا العهد وأبناء الخلفاء؛ لما ربوا عليه من تعظيم العلم وأهله.
واستحيا هارون الرشيد أن يراجع الإمام الكسائي حين أخطأ في قراءته وهو يصلي إمامًا, وكان عمر بن الخطاب يقول: "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل", فطارت جيوشهم إلى أقاصي الدنيا.
إرسال تعليق Blogger Facebook