تحدثنا كثيرا مرات ومرات عن عمليات غسيل المخ...وعن تقنياته الحديثة ايضا وعن كل الاجهزة التي تم تحديثها واستخدامها من خلال وكالات الاستخبارات العالمية...ولكن اود ان اطرح باسهاب بعض مفاهيم غسيل المخ الفعلية التي تحدث داخل مجتمعاتنا وحتى في دور العلم والعبادة والتنظيمات ذات الطابع الديني ايضا على يد دعاة او افراد لا نعلم انهم متخصصون...وكما يعلم غالبيتنا ...فان عملية غسيل المخ وان كانت قديمة , فان أسسها العلمية لم تتضح الا في اوائل الثلاثينات من القرن العشرين..حيث بدأت الخطوة الاولى على مخ الحيوانات في معمل العالم الروسي الشهير بافلوف (1849-1936)...بالنسبة للانسان ..
استندت عملية غسيل المخ على الحقيقة العلمية التي تقول ان الانسان عندما يتعرض الى ظروف قاهرة وصعبة تصبح خلايا مخه شبه مشلولة عن العمل والمقاومة.. بل قد تصبح عاجزة عن الاحتفاظ بما اختزنه من عادات .. لدرجة ان مقاومتها للأذى والتهديد الواقع عليها قد ينقلب
الى تقبل أشد واستسلام أسرع للايحاء ولعادات جديدة أخرى وانعكاسات غريبة قد يتصادف حدوثها في تلك اللحظة....العوامل التي تؤدي الى غسيل المخ هي:
1. الصدمات النفسية المفاجئة
2. التهديد المستمر
3. المواقف الشديدة المرعبة كالمعارك الدامية والكوارث
4. الارهاق العصبي المستمر كالسهر المتواصل او النوم المتقطع
5. الجوع والعطش الشديدين
6. الآلام الجسمية والنفسية الشديدة
7. بعض الادوية
هذه العوامل تحفز او تخدر او ترهق خلايا المخ وتوصلها الى الحافة الحرجة بحيث يصعب عليها ان تحتفظ بما تعلمته وبالتالي يتم غسل المخ وغرس ما يراد فيه .
اي ان عملية غسيل المخ تدل على :
تطهير وطرد لعادات وافكار وميول اكتسبها عقل الانسان في وقت مضى وادخال أو غرس عادات وافكار اخرى جديدة في ذلك العقل ( المغسول)..وهي عملية تتسلط على العقل الذي اصبح نظيفا ( ناصعا ) ولقمة سائغة لحشوه بأية أفكار او دعاية او عقيدة...ودعونا نكشف القشرة السطحية لعلم غسيل المخ... و أهم ما يجب أن يعرفه الجميع هو أنه من ضمن كل من غسل مخهم بنجاح لا يوجد شخص واحد يعلم (أو يصدق) أنه قد تم غسيل مخه. و بل تجدهم ايضا يدافعون تلقائيا بحرارة و إخلاص عن الشخص الذى قام بعملية الغسيل؟؟؟
و عملية "غسيل المخ" عادة تبدأ بفكرة "إحيائية"... و بالطبع ليتم إحياء هذا الشئ يجب إقناع المستمع أولا أنه "مات"...و أى دراسة لعلم غسيل المخ يجب أن تبدأ بدراسة "إحياء" المسيحية فى أمريكا فى القرن الثامن عشر. فمن المعتقد أن شخص يدعى جوناثان إدواردز إكتشف الطريقة بالصدفة أثناء قيامه بحملة تبشيرية عام 1735 بمدينة نورثامبتون بولاية ماساشوستس..فقد إكتشف إدواردز أنه يمكنه فرض عقدة الذنب و الخوف الشديد و التوتر على مستمعيه عن طريق خطبه و أن ذلك يؤدى إلى إنهيارالمستمع "المذنب" تماما و إستسلامه له..وحقيقة ما كان يعمله (من الناحية الفنية) هى أنه كان يخلق حالة تؤدى إلى "مسح" ما فى عقول مستمعيه و بذلك تكون جاهزة لإعادة برمجتها..إلا أن الخطأ الذى وقع فيه هو أن رسالته كانت سلبية. فقد كان يقول لهم "أنت مذنب و مصيرك إلى الجحيم" فكانت النتيجة أن أحد مستمعيه إنتحر و قام آخر بمحاولة للإنتحار..و قد أدت الأبحاث بعد ذلك لنتيجة أنه بمجرد إنتهاء المبشر أو القائم بعملية غسيل المخ من عملية المسح أو "تنظيف" المخ فإن الضحية يصبح جاهزا لتقبل أى إقتراحات أو أفكار جديدة لتحل محل الأفكار القديمة بدون أى مقاومة ... حتى و لو كانت منافية للمنطق أو للمعتقدات الأصلية للضحية...
و قد إستخدم مبشر آخر يدعى تشارلز فينى نفس الطريقة بعد ذلك بأربع سنوات فى نيويورك. و ما زالت الطريقة مستخدمة حتى يومنا هذا من المبشرين و الطوائف و الجماعات الدينية و بعض مستقطبى المستثمرين و عصابات الجريمة المنظمة و القوات المسلحة فى معظم دول العالم (بما فيها الولايات المتحدة).
و الواجب ذكره هنا هو أن معظم الدعاة لا يدركون أنهم يستخدمون وسائل غسيل المخ. فكل ما حدث هو أن إدواردز إكتشف الطريقة بالصدفة و نقلها منه الآخرين ثم تم تطويرها على مدى 200 سنة و هذا يفسر الزيادة فى التشدد و التعصب المسيحى و خاصة الموجه عن طريق التليفزيون بينما تراجعت معظم المذاهب المعتدلة و المألوفة...وهذا بالزبط ما تم نقله ايضا لضرب الاسلام المعتدل ولكن بطريقة تخدم اهداف اجرامية..فيكون الفرد بعد عملية الغسل مهيأ للعمل على اي هدف معتقدا انه صالح او له قدسيته او واجب عليه...
أطوار العقل الثلاثة:
كما ذكرنا ان "غسيل المخ" فقد قام بتفسيره عالم روسى يدعى "بافلوف". و قد بدء عمله فى بداية القرن العشرين بعمل تجارب على الحيوانات ثم قام بعمل تجارب على الإنسان. و بعد الثورة الروسية أدرك لينين فاعلية هذه الطريقة فاستخدمها للوصول إلى أهدافه...و قد إكتشف بافلوف إلى أن عملية غسيل المخ تتقدم على ثلاثة مراحل:
-الأولى سماها " مرحلة التكافؤ" و فيها يكون رد فعل العقل متساوى لكل من "الإثارة الضعيفة" و "الإثارة الشديدة "
-الثانية هى "مرحلة التناقض الظاهر" Paradoxical phase و فيها كون رد فعل العقل شديد لأنواع الإثارة الضعيفة و ضعيف لأنواع الإثارة القوية.
-و الثالثة هى مرحلة "ما فوق التناقض الظاهر" Ultra-paradoxical phase و فيها يتقلب سلوك و رد فعل الشخص من إيجابى الى سلبى أو من سلبى إلى إيجابى.
و مع التطور من مرحلة إلى أخرى يتم إستكمال عملية "التحول" conversion و تتأكد سيطرة المبشر على ضحيته.
و يوجد طرق عديدة لتحقيق "التحول" . و لكن الخطوة الأولى لعمل غسيل المخ الدينى أو السياسى تبدأ بالتأثير على عاطفة الشخص أو المجموعة حتى يصلوا إلى درجة عالية الغضب أو الخوف أو الإهتياج و الإثارة أوالتوتر العصبى...و نتيجة هذه الحالة العقلية هى إضعاف قدرة الشخص على الحكم على الأمور و تسهيل إمكانية الإيحاء له و التأثير عليه. و كلما طالت أو إشتدت حالة الغضب أو التهيج أو الخوف ضعفت قدرته على المقاومة و سهل التأثير عليه.
و بمجرد أن يتم "تطهير" المخ (أى الإنتهاء من المرحلة الأولى) يصير الإستيلاء على العقل أمر يسير و يكون من الممكن إستبدال الأفكار القديمة ببرنامج جديد من الأفكار و السلوك.
و من الأسلحة الأخرى التى تستعمل لتعديل وظائف العقل الطبيعية هى:
الحرمان من الطعام
التغذية بكميات عالية من السكر
الإرهاق البدنى و الحرمان من النوم
التحكم فى التنفس
ترديد كلمة أو صوت واحد لمدة طويلة يوميا
الكشف عن أمور أو أسرار رهيبة
إستخدام المؤثرات الصوتية و الضوئية
إستخدام البخور و الأدوية النباتات المخدرة
و يمكن الحصول على النتيجة نفسها باستعمال أدوات العلاج النفسى الحديثة مثل الصدمات الكهربية أو خفض نسبة السكر فى الدم عن طريق الحقن بالإنسولين.
كيف يعمل الواعظ او رجل الدين الإحيائى (Revivalist) ؟؟؟؟
إذا أردت أن تشاهد إحيائى أثناء عمله فمن المحتمل أنك ستجد عدد لا بأس به منهم فى حولك..فيأتي غالبا رجل الدين او الواعظ و هو مدرب على الكلام بصوت "متدرج"...الصوت المتدرج" يتميز بأنه محدد الخطوة و يستعمل فى التنويم المغناطيسى...و أحيانا يستعمله المحامون (المدربون على التنويم المغناطيسى) لترسيخ نقطة معينة فى ذهن المحلفين. و هو صوت رتيب تنطق فيه الكلمات بمعدل ثابت يتراوح بين 45 و 60 كلمة فى الدقيقة لزيادة التأثير..و هنا يبدأ فى عملية "التصعيد" ليسبب "حالة الوعى البديل" و ذلك بتوليد حالة من الإثارة و الترقب بين الحاضرين وذكر اكثر من قصة واكثر من خاطرة واحداث مؤلمة...فى هذه اللحظة تمتزج وسائل التنويم المغناطيسى مع وسائل "تحويل" الحاضرين و يصبح إهتمام الحاضرين مركز على ما سيقال أو ما سيحدث بعد ذلك...ثم تتعالى النبرات بذكر "النار و الجحيم" و يبث الرعب فى قلوب الحاضرين بكلمات عن "الشيطان" و "الذهاب الى الجحيم" و نهاية العالم القريبة ..وفى معظم جلسات "الإحيائيين" (Revivalists) نجد أن الوعظ المبنى على التخويف و الترهيب يتبعه عدد من "الشهود" حيث يدلى عدد من المستمعين بتصريحات مثل:
"لفد كنت كسـيحا و الآن أستطيع أن أمشى بطريقة طبيعية"
أو " كنت مصابا بالتهاب المفاصل و شفيت منه تماما".
و هى وسائل للتلاعب بنفسية المستمعين التى تؤدى إلى إقتناع الشخص العادى –ذو المرض الغير مستعصى- أنه بلا شك سيتم شفاؤه... و بعد الإستماع إلى عدد من هذه القصص تصبح القاعة مشحونة بالرهبة و الشعور بالذنب و حالة شديدة من الإثارة و الترقب و الأمل.
عادة يكون الراغبين فى الشفاء مصطفون فى مؤخرة القاعة فيطلب منهم التقدم للأمام (ليراهم الجميع)... و قد يضغط الواعظ بكف يده على جباهم صارخا: "إشف" مما يؤدى إلى إطلاق (إو تحرير) الطاقة النفسية المدفونة فى المريض (النصف نائم) و بذلك يتم "تطهيره" من العواطف المكبوته... و قد يصحب ذلك صراخ المريض أو سقوطه فى حالة تشنج..و إذا كانت حالة "التطهير" فعالة فقد يؤدى ذلك إلى شفاء المريض فعلا...
و فى مرحلة "التطهير" ... يكون العقل مفرغ (مؤقتا) و مستعد لتلقى الإيحاء (أو البرمجة)...بالنسبة للبعض قد يكون الشفاء دائم و لكن للأغلبية سيدوم لمدة أربعة إلى سبعة أيام... و حتى لو لم يستمر الشفاء لمدة طويلة – فعند عودة المريض فى الأسابيع التالية فستتغلب قوة الإيحاء على المشكلة و فى بعض الأحيان –للأسف- ستحجب المرض (دون علاجه) مما قد يكون ضارا بالمريض على المدى الطويل...و استعمال وسائل التنويم الجماعى علم شديد التعقيد...وعلينا ان نعلم بوسائل ال"تحويل" الستة:
المنظمات و الطوائف الدينية يعملون باستمرار على تجنيد المزيد من الأعضاء. و لتحقيق هذه الغاية يجب أولا أن يخلقوا فيهم "الحالة العقلية" المطلوبة. و فى معظم الحالات عليهم أن يصلوا إلى غايتهم فى وقت قصير مثل عطلة نهاية الأسبوع أو حتى فى يوم واحد. و فيما يلى سأقدم لكم الوسائل الرئيسية التى تستخدم لإتمام عملية التحويل:
بعقد الإجتماع أو دورة التدريب فى مكان منعزل عن العالم الخارجى. قد يكون بيت خاص أو مكان فى أحد الضواحى المنعزلة أو حتى فى صالة رقص فى أحد الفنادق. و فى أى حال يسمح للحاضرين أن يستعملوا دورات المياة فى أضيق الحدود..و تبدأ الدورة بأن يقوم المشرف (أو الموجه) بخطبة طويلة عن أهمية "الإلتزام" إو "المحافظة على الإتفاق". طبعا مبدأ المحافظة على الإتفاق هو مبدأ جميل و هو من أهم القيم و لكن المشرف يفسده لأسباب شخصية.و يقسم الحاضرون لموجههم (و لأنفسهم) أنهم سيلتزمون بالإتفاق و يتم تخويف او "إرهاب" من يرفض ذلك حتى يخضع أو يتم طرده من الدورة التدريبية...
الخطوة التالية هى إجبار الحاضرين على الإلتزام باستكمال التدريب للنهاية و هذا يضمن أكبر عدد ممكن للإنضمام للتنظيم...
و عادة يتحتم على الحاضرين أن يوافقوا على عدم تعاطى أى عقار (سواء مخدر أو منبه) و الإمتناع عن التدخين و أحيانا عن الطعام و قد يتم منحهم فترة قصيرة جدا لتناول الوجبات لخلق جو من التوتر... و السبب الرئيسى وراء هذا الإتفاق هم تغيير "الكيمياء الداخلية" للأعضاء الجدد مما يخلق نوع من البلبلة على أمل أن يسبب –و لو القليل- من القصور فى وظائف الجهاز العصبى و بالتالى يزيد من إمكانية "التحويل".
قبل إنتهاء الإجتماع – يقوم المشرف باستخدام "الإتفاق" لمطالبة الحاضرين بالبحث عن مشتركين جدد. و يطلب منهم الموافقة على هذا "الإتفاق" الجديد قبل مغادرة المكان. و حيث أن "الحفاظ على الإتفاق" أصبح مبدأ ذو أهمية قصوى و يحتل مكانة عالية فى قائمة الأولويات فإن الأعضاء الجدد (أو المحولون الملتزمون) سيقومون بعمل المستحيل لجذب معارفهم لحضور دورة تمهيدية مجانية ستقوم المنظمة بتقديمها فى موعد تم تحديده...
و "المحول" الجديد يكون عادة متحمس (وقد يصل إلى حالة التعصب) للمنظمة. و فى الواقع يوجد تعبير دارج لدى أكبر و أنجح المنظمات يقول: "بيع بضاعتك بواسطة متحمس (أو متعصب)."
و قد أنتجت هذه الدورات التدريبية (على أقل تقدير) ملايين الخريجين حول العالم حتى الآن و من ضمنهم نسبة عالية مزودون (أو مبرمجون) ب"زر داخلى" فى عقولهم يمكن تفعيله بكلمة معينة أو جملة أو صوت أو صورة أو حتى رائحة معينة لتضمن المنظمة ولاؤهم فى المستقبل وتضمن تلبيتهم لنداء المعلم الروحى أو المنظمة إذا استدعت الظروف...
فكر فى التبعات السياسية لمئات الآلاف من المتعصبين المبرمجين لإدارة حملة لمعلمهم الديني او الروحى..عليك أن تأخذ حذرك من هذا النوع من المنظمات التى تستدرجك لحضورحلقات متابعة للندوة الأولى. قد تكون هذه "الحلقات" أسبوعية أو ندوات رخيصة السعر و لكنها تتميز بأنها دورية و تفدم بانتظام. فالغرض منها هو الحفاظ على السيطرة و القدرة على التحكم فى الشخص...
و الإشارة الثانية التى تدل على أن وسائل التحويل جارى إستعمالها هى الإلتزام بجدول محدد من شأنه أن يسبب إجهاد بدنى و عقلى...
و الثالثة هى إستخدام الوسائل التى تزيد من حالة التوتر فى القاعة.
الرابعة: الشك. و فى إمكانى أن أقضى ساعات طويلة أتكلم فيها عن الوسائل العديدة التى تستعمل لتوليد الشك و زيادة التوتر. و الأساس فى هذه العملية هو جعل كل مستمع فى حالة قلق دائمة خوفا من أن توجه الأنظار اليه مما يكشف ضعفه و يشعره أنه "عاريا" أمام الجمع و هنا يلعب الموجه بعقدة الشعور بالذنب لدى المستمعين و يقوم بتشجيعهم على الإقرار بأدق أسرارهم للآخرين أو يدفعهم للإشتراك فى نشاطات تسقط عنهم أقنعتهم.
وقد يدفع أحد المشرفين بمستمع للوقوف على خشبة المسرح ثم يقوم بتأنيبه و توبيخه أمام جميع الحاضرين..و قد بينت الإستفتاءات العامة أن أكثر ما يخشاه أغلبية الناس هو الوقوف و التحدث أمام جمهور من المستمعين.
فيمكنك أن تتخيل حالة الرعب التى يمر بها الشخص عند وقوفه على المسرح و التى تؤدى فى بعض الأحيان إلى فقدان الوعى عند البعض و لكن الأغلبية تلجأ إلى حالة من "الغياب الذهنى" ورفض المواجهة (أو الهروب من) هذا الموقف و هم ينتقلون بهذه الوسيلة إلى حالة "الفا" العقلية مما يجعلهم أكثر إستعدادا لتقبل الإيحاء و يسهل عملية التحويل.
المؤشر الخامس الذى يدل على أن عملية "التحويل" تسير قدما هو إستعمال فيض من الإصطلاحات ألتى لا يفهمها إلا العالمين ببواطن الأمور من الحاضرين. أحيانا يكون المحاضر سليط اللسان و يستخدم لغة خبيثة (أو حتى شريرة) ليسود شعور عام بعدم الإرتياح بين الحاضرين.
و المؤشر السادس و الأخير هو إنعدام الدعابة و يمنع الضحك أثناء الندوة على الأقل حتى تتم عملية "التحويل". أما بعدها فتكون البهجة و المرح من الأشياء المستحبة لتعرب عن التغيير الذى حدث و تكون رمزا للبهجة و السرور و السعادة "الجديدة" (أو المفقودة) التى تم التحول إليها (أو العثور عليها).
و أنا لا أقول هنا أن هذه الإجتماعات لا يأتى من ورائها خير على الإطلاق. فى الواقع قد يكون فيها بعض الفائدة. و لكنى أريد أن يكون الجميع على يقين بما يحدث لهم (أو حولهم) و يأخذوا حذرهم و يعلموا أن إستمرارهم فى التورط فى مثل هذه الإجتماعات قد يؤدى إلى أضرار يصعب علاجها..و أكثر ما يزعجنا فى هذا الموضوع من تجاربنا الشخصية هو يقيننا بالقدرة الهائلة التى يستطيع بها شخص واحد و معه ميكروفون أن يسيطر على صالة مملوءة بالمستمعين و يتحكم فيهم. أضف إلى ذلك قليل من الموهبة القيادية أو الجاذبية الشخصية (charisma) و يمكنك أن تضمن عدد كبير من "المحولين" أو كما يسميهم البعض "المهتدين"...و من المؤسف أنه توجد نسبة مرتفعة من الناس على إستعداد تام لتسليم إرادتهم و الإستسلام الكامل لجماعة معينة أو حتى لشخص واحد ليقوم بالتحكم فيهم.
إجتماعات التنظيمات الدينية و المنظمات السياسية (و خاصة المنظمات التى يكون أغلب أعضاؤها من الشباب و المراهقين) تعتبر أنسب مكان لمشاهدة ما يطلق عليه "Stockholm Syndrome" حيث يبدأ الضحايا بإظهار علامات الحب و الإعجاب بل و أحيانا الرغبة فى إقامة علاقة جنسية مع آسريهم او معتقليهم أو الذين يقومون بتعذيبهم.
و يتحتم على هنا أن أوجه كلمة تحذير: إذا كنت تعتقد أنه فى إمكانك أن تشارك فى هذه الإجتماعات دون أن تتأثر بها فأنت غالبا مخطئ...
وهذا يتم عسكريا ايضا..فحكومة الولايات المتحدة مثلا ومعسكرات التدريب العسكرية...فى فيلق المارينز يتحدث المدربين عن "كسر الرجال" قبل إعادة بناؤهم كرجال جدد – أى رجال المارينز....فما الذى يفعلوه بالتحديد؟
إنهم يقومون باتباع نفس الطرق التى يتبعها رجال التنظيمات الذين يقومون ب"كسر" ضحاياهم ثم إعادة بناؤهم كبائعى زهور سعداء أو مروجين مخلصين لأفكار التنظيم فى محاولة لجذب المزيد من الضحايا ليتم "هدايتهم"...و يتم إستخدام الوسائل الست جميعها فى معسكرات المارينز.
و يبذل الأتباع جهدا كبيرا للتأثير على معارفهم فى محاولات لضمهم إلى جماعتهم و تحويلهم أو فرض طريقتهم عليهم و ذلك عن طريق سن القوانين ومحاولة إجبار الآخرين على الخضوع لها و لو حتى بالقوة – باستخدام السلاح وتوقيع العقوبات. و هى وسائل تطبيق القانون.
و يشترط لنجاح هذه الجماعات أن يتم "خلق" عدو أو شيطان أو فئة مكروهه لأعضائها...
و فى حالة الثورات يكون الشيطان عادة هو الطبقة الحاكمة أو الأرستقراطية... و تعتبر بعض التنظيمات الدينية كل من لم يحضر دورتهم التدريبية شيطانا يجب معاداته. و للإنصاف يجب أن أذكر أنه توجد تنظيمات ليس لها عدو و لكن هذه التنظيمات سرعان ما تبوء بالفشل أو فى أحسن الحالات تظل نكرة.
"المؤمن الحقيقى" (و المقصود هنا هو المؤمن بتنظيم أو جماعة معينة) يكون عادة إما مختل عقليا أو غير أمن (متزعزع) نفسيا أو ليس له أصدقاء أو أمل فى الحياة. فالشخص الذى إمتلأ قلبه بالحب لا يبحث عن حلفاء و لكنه يلجأ لهذه الوسيلة عندما يمتلئ قلبه بالكراهية و الحقد و ينفر الناس من حوله نتيجة لتصرفاته الشاذة التى تعكس تسلط أفكار جماعته و استحواذها عليه ..
وسائل الإقناع
الإقناع –من الناحية التقنية – لا يعتبر "غسيل مخ" و لكن غسيل المخ هو التلاعب بعقل شخص آخر بدون أن يكون هذا الشخص على يقين بالأسباب التى جعلته يغير رأيه.
فالهدف هنا هو الهاء النصف الأيسر من المخ و صرف إنتباهه عن عملية الغزو الجارية للنصف الأيمن. و الطريقة المثلى هى أن يقوم الشخص المتحكم بتوليد حالة وعى بديلة تؤدى إلى نقلك من حالة الوعى الكامل (beta) إلى حالة alpha. و هذه الحالة يمكن قياسها بواسطة أجهزة رسام العقل EEG...دعونى أولا أعطيكم مثل عن طريقة إلهاء النصف الأيسر. هناك وسائل متقدمة يستخدمها السياسيون و بعض المحامين و قد قيل لى أنهم يطلقون عليها إسم "شد الوثاق" (tightening the noose)...فلننظر إلى سياسى أثناء حملته الإنتخابية فهو يبدأ بما يسمى ب "مجموعة نعم" أى مجموعة من الأسئلة التى يكون رد المستمعين عليها بالإيجاب و بالتالى فهم يوافقون على هذه التصريحات و قد تراهم أحيانا يومئون رؤوسهم ليؤكدوا موافقتهم. ثم تأتى بعد ذلك مجموعة البديهيات..و هى تصريحات قد تحتمل صحتها بعض الشك. و لكن حيث أن المتحدث قد سبقها بما وافقوا عليه فمن المرجح أن يستمروا فى الموافقة. و أخيرا تأتى مرحلة الإيحاء..و هذا هو ما يريد السياسى منك أن تقوم بعمله و حيث أنك كنت على موافقة معه على طول الخط فمن السهل أن تقبل هذه الإيحاءات...
ويتم تدريب سياسى العصر الحديث و الخطباء بواسطة جيل جديد من الخبراء الذين برعوا فى إستعمال جميع الوسائل و الحيل و الخدع القديم منها و الحديث ليتلاعبوا بعقلك حتى تقبل افكارهم أو برنامجهم..او اهدافهم التي يقودونك اليها..وبوازع اخلاقي او ديني بينما الاهداف ابعد من هذا بكثير..
استندت عملية غسيل المخ على الحقيقة العلمية التي تقول ان الانسان عندما يتعرض الى ظروف قاهرة وصعبة تصبح خلايا مخه شبه مشلولة عن العمل والمقاومة.. بل قد تصبح عاجزة عن الاحتفاظ بما اختزنه من عادات .. لدرجة ان مقاومتها للأذى والتهديد الواقع عليها قد ينقلب
الى تقبل أشد واستسلام أسرع للايحاء ولعادات جديدة أخرى وانعكاسات غريبة قد يتصادف حدوثها في تلك اللحظة....العوامل التي تؤدي الى غسيل المخ هي:
1. الصدمات النفسية المفاجئة
2. التهديد المستمر
3. المواقف الشديدة المرعبة كالمعارك الدامية والكوارث
4. الارهاق العصبي المستمر كالسهر المتواصل او النوم المتقطع
5. الجوع والعطش الشديدين
6. الآلام الجسمية والنفسية الشديدة
7. بعض الادوية
هذه العوامل تحفز او تخدر او ترهق خلايا المخ وتوصلها الى الحافة الحرجة بحيث يصعب عليها ان تحتفظ بما تعلمته وبالتالي يتم غسل المخ وغرس ما يراد فيه .
اي ان عملية غسيل المخ تدل على :
تطهير وطرد لعادات وافكار وميول اكتسبها عقل الانسان في وقت مضى وادخال أو غرس عادات وافكار اخرى جديدة في ذلك العقل ( المغسول)..وهي عملية تتسلط على العقل الذي اصبح نظيفا ( ناصعا ) ولقمة سائغة لحشوه بأية أفكار او دعاية او عقيدة...ودعونا نكشف القشرة السطحية لعلم غسيل المخ... و أهم ما يجب أن يعرفه الجميع هو أنه من ضمن كل من غسل مخهم بنجاح لا يوجد شخص واحد يعلم (أو يصدق) أنه قد تم غسيل مخه. و بل تجدهم ايضا يدافعون تلقائيا بحرارة و إخلاص عن الشخص الذى قام بعملية الغسيل؟؟؟
و عملية "غسيل المخ" عادة تبدأ بفكرة "إحيائية"... و بالطبع ليتم إحياء هذا الشئ يجب إقناع المستمع أولا أنه "مات"...و أى دراسة لعلم غسيل المخ يجب أن تبدأ بدراسة "إحياء" المسيحية فى أمريكا فى القرن الثامن عشر. فمن المعتقد أن شخص يدعى جوناثان إدواردز إكتشف الطريقة بالصدفة أثناء قيامه بحملة تبشيرية عام 1735 بمدينة نورثامبتون بولاية ماساشوستس..فقد إكتشف إدواردز أنه يمكنه فرض عقدة الذنب و الخوف الشديد و التوتر على مستمعيه عن طريق خطبه و أن ذلك يؤدى إلى إنهيارالمستمع "المذنب" تماما و إستسلامه له..وحقيقة ما كان يعمله (من الناحية الفنية) هى أنه كان يخلق حالة تؤدى إلى "مسح" ما فى عقول مستمعيه و بذلك تكون جاهزة لإعادة برمجتها..إلا أن الخطأ الذى وقع فيه هو أن رسالته كانت سلبية. فقد كان يقول لهم "أنت مذنب و مصيرك إلى الجحيم" فكانت النتيجة أن أحد مستمعيه إنتحر و قام آخر بمحاولة للإنتحار..و قد أدت الأبحاث بعد ذلك لنتيجة أنه بمجرد إنتهاء المبشر أو القائم بعملية غسيل المخ من عملية المسح أو "تنظيف" المخ فإن الضحية يصبح جاهزا لتقبل أى إقتراحات أو أفكار جديدة لتحل محل الأفكار القديمة بدون أى مقاومة ... حتى و لو كانت منافية للمنطق أو للمعتقدات الأصلية للضحية...
و قد إستخدم مبشر آخر يدعى تشارلز فينى نفس الطريقة بعد ذلك بأربع سنوات فى نيويورك. و ما زالت الطريقة مستخدمة حتى يومنا هذا من المبشرين و الطوائف و الجماعات الدينية و بعض مستقطبى المستثمرين و عصابات الجريمة المنظمة و القوات المسلحة فى معظم دول العالم (بما فيها الولايات المتحدة).
و الواجب ذكره هنا هو أن معظم الدعاة لا يدركون أنهم يستخدمون وسائل غسيل المخ. فكل ما حدث هو أن إدواردز إكتشف الطريقة بالصدفة و نقلها منه الآخرين ثم تم تطويرها على مدى 200 سنة و هذا يفسر الزيادة فى التشدد و التعصب المسيحى و خاصة الموجه عن طريق التليفزيون بينما تراجعت معظم المذاهب المعتدلة و المألوفة...وهذا بالزبط ما تم نقله ايضا لضرب الاسلام المعتدل ولكن بطريقة تخدم اهداف اجرامية..فيكون الفرد بعد عملية الغسل مهيأ للعمل على اي هدف معتقدا انه صالح او له قدسيته او واجب عليه...
أطوار العقل الثلاثة:
كما ذكرنا ان "غسيل المخ" فقد قام بتفسيره عالم روسى يدعى "بافلوف". و قد بدء عمله فى بداية القرن العشرين بعمل تجارب على الحيوانات ثم قام بعمل تجارب على الإنسان. و بعد الثورة الروسية أدرك لينين فاعلية هذه الطريقة فاستخدمها للوصول إلى أهدافه...و قد إكتشف بافلوف إلى أن عملية غسيل المخ تتقدم على ثلاثة مراحل:
-الأولى سماها " مرحلة التكافؤ" و فيها يكون رد فعل العقل متساوى لكل من "الإثارة الضعيفة" و "الإثارة الشديدة "
-الثانية هى "مرحلة التناقض الظاهر" Paradoxical phase و فيها كون رد فعل العقل شديد لأنواع الإثارة الضعيفة و ضعيف لأنواع الإثارة القوية.
-و الثالثة هى مرحلة "ما فوق التناقض الظاهر" Ultra-paradoxical phase و فيها يتقلب سلوك و رد فعل الشخص من إيجابى الى سلبى أو من سلبى إلى إيجابى.
و مع التطور من مرحلة إلى أخرى يتم إستكمال عملية "التحول" conversion و تتأكد سيطرة المبشر على ضحيته.
و يوجد طرق عديدة لتحقيق "التحول" . و لكن الخطوة الأولى لعمل غسيل المخ الدينى أو السياسى تبدأ بالتأثير على عاطفة الشخص أو المجموعة حتى يصلوا إلى درجة عالية الغضب أو الخوف أو الإهتياج و الإثارة أوالتوتر العصبى...و نتيجة هذه الحالة العقلية هى إضعاف قدرة الشخص على الحكم على الأمور و تسهيل إمكانية الإيحاء له و التأثير عليه. و كلما طالت أو إشتدت حالة الغضب أو التهيج أو الخوف ضعفت قدرته على المقاومة و سهل التأثير عليه.
و بمجرد أن يتم "تطهير" المخ (أى الإنتهاء من المرحلة الأولى) يصير الإستيلاء على العقل أمر يسير و يكون من الممكن إستبدال الأفكار القديمة ببرنامج جديد من الأفكار و السلوك.
و من الأسلحة الأخرى التى تستعمل لتعديل وظائف العقل الطبيعية هى:
الحرمان من الطعام
التغذية بكميات عالية من السكر
الإرهاق البدنى و الحرمان من النوم
التحكم فى التنفس
ترديد كلمة أو صوت واحد لمدة طويلة يوميا
الكشف عن أمور أو أسرار رهيبة
إستخدام المؤثرات الصوتية و الضوئية
إستخدام البخور و الأدوية النباتات المخدرة
و يمكن الحصول على النتيجة نفسها باستعمال أدوات العلاج النفسى الحديثة مثل الصدمات الكهربية أو خفض نسبة السكر فى الدم عن طريق الحقن بالإنسولين.
كيف يعمل الواعظ او رجل الدين الإحيائى (Revivalist) ؟؟؟؟
إذا أردت أن تشاهد إحيائى أثناء عمله فمن المحتمل أنك ستجد عدد لا بأس به منهم فى حولك..فيأتي غالبا رجل الدين او الواعظ و هو مدرب على الكلام بصوت "متدرج"...الصوت المتدرج" يتميز بأنه محدد الخطوة و يستعمل فى التنويم المغناطيسى...و أحيانا يستعمله المحامون (المدربون على التنويم المغناطيسى) لترسيخ نقطة معينة فى ذهن المحلفين. و هو صوت رتيب تنطق فيه الكلمات بمعدل ثابت يتراوح بين 45 و 60 كلمة فى الدقيقة لزيادة التأثير..و هنا يبدأ فى عملية "التصعيد" ليسبب "حالة الوعى البديل" و ذلك بتوليد حالة من الإثارة و الترقب بين الحاضرين وذكر اكثر من قصة واكثر من خاطرة واحداث مؤلمة...فى هذه اللحظة تمتزج وسائل التنويم المغناطيسى مع وسائل "تحويل" الحاضرين و يصبح إهتمام الحاضرين مركز على ما سيقال أو ما سيحدث بعد ذلك...ثم تتعالى النبرات بذكر "النار و الجحيم" و يبث الرعب فى قلوب الحاضرين بكلمات عن "الشيطان" و "الذهاب الى الجحيم" و نهاية العالم القريبة ..وفى معظم جلسات "الإحيائيين" (Revivalists) نجد أن الوعظ المبنى على التخويف و الترهيب يتبعه عدد من "الشهود" حيث يدلى عدد من المستمعين بتصريحات مثل:
"لفد كنت كسـيحا و الآن أستطيع أن أمشى بطريقة طبيعية"
أو " كنت مصابا بالتهاب المفاصل و شفيت منه تماما".
و هى وسائل للتلاعب بنفسية المستمعين التى تؤدى إلى إقتناع الشخص العادى –ذو المرض الغير مستعصى- أنه بلا شك سيتم شفاؤه... و بعد الإستماع إلى عدد من هذه القصص تصبح القاعة مشحونة بالرهبة و الشعور بالذنب و حالة شديدة من الإثارة و الترقب و الأمل.
عادة يكون الراغبين فى الشفاء مصطفون فى مؤخرة القاعة فيطلب منهم التقدم للأمام (ليراهم الجميع)... و قد يضغط الواعظ بكف يده على جباهم صارخا: "إشف" مما يؤدى إلى إطلاق (إو تحرير) الطاقة النفسية المدفونة فى المريض (النصف نائم) و بذلك يتم "تطهيره" من العواطف المكبوته... و قد يصحب ذلك صراخ المريض أو سقوطه فى حالة تشنج..و إذا كانت حالة "التطهير" فعالة فقد يؤدى ذلك إلى شفاء المريض فعلا...
و فى مرحلة "التطهير" ... يكون العقل مفرغ (مؤقتا) و مستعد لتلقى الإيحاء (أو البرمجة)...بالنسبة للبعض قد يكون الشفاء دائم و لكن للأغلبية سيدوم لمدة أربعة إلى سبعة أيام... و حتى لو لم يستمر الشفاء لمدة طويلة – فعند عودة المريض فى الأسابيع التالية فستتغلب قوة الإيحاء على المشكلة و فى بعض الأحيان –للأسف- ستحجب المرض (دون علاجه) مما قد يكون ضارا بالمريض على المدى الطويل...و استعمال وسائل التنويم الجماعى علم شديد التعقيد...وعلينا ان نعلم بوسائل ال"تحويل" الستة:
المنظمات و الطوائف الدينية يعملون باستمرار على تجنيد المزيد من الأعضاء. و لتحقيق هذه الغاية يجب أولا أن يخلقوا فيهم "الحالة العقلية" المطلوبة. و فى معظم الحالات عليهم أن يصلوا إلى غايتهم فى وقت قصير مثل عطلة نهاية الأسبوع أو حتى فى يوم واحد. و فيما يلى سأقدم لكم الوسائل الرئيسية التى تستخدم لإتمام عملية التحويل:
بعقد الإجتماع أو دورة التدريب فى مكان منعزل عن العالم الخارجى. قد يكون بيت خاص أو مكان فى أحد الضواحى المنعزلة أو حتى فى صالة رقص فى أحد الفنادق. و فى أى حال يسمح للحاضرين أن يستعملوا دورات المياة فى أضيق الحدود..و تبدأ الدورة بأن يقوم المشرف (أو الموجه) بخطبة طويلة عن أهمية "الإلتزام" إو "المحافظة على الإتفاق". طبعا مبدأ المحافظة على الإتفاق هو مبدأ جميل و هو من أهم القيم و لكن المشرف يفسده لأسباب شخصية.و يقسم الحاضرون لموجههم (و لأنفسهم) أنهم سيلتزمون بالإتفاق و يتم تخويف او "إرهاب" من يرفض ذلك حتى يخضع أو يتم طرده من الدورة التدريبية...
الخطوة التالية هى إجبار الحاضرين على الإلتزام باستكمال التدريب للنهاية و هذا يضمن أكبر عدد ممكن للإنضمام للتنظيم...
و عادة يتحتم على الحاضرين أن يوافقوا على عدم تعاطى أى عقار (سواء مخدر أو منبه) و الإمتناع عن التدخين و أحيانا عن الطعام و قد يتم منحهم فترة قصيرة جدا لتناول الوجبات لخلق جو من التوتر... و السبب الرئيسى وراء هذا الإتفاق هم تغيير "الكيمياء الداخلية" للأعضاء الجدد مما يخلق نوع من البلبلة على أمل أن يسبب –و لو القليل- من القصور فى وظائف الجهاز العصبى و بالتالى يزيد من إمكانية "التحويل".
قبل إنتهاء الإجتماع – يقوم المشرف باستخدام "الإتفاق" لمطالبة الحاضرين بالبحث عن مشتركين جدد. و يطلب منهم الموافقة على هذا "الإتفاق" الجديد قبل مغادرة المكان. و حيث أن "الحفاظ على الإتفاق" أصبح مبدأ ذو أهمية قصوى و يحتل مكانة عالية فى قائمة الأولويات فإن الأعضاء الجدد (أو المحولون الملتزمون) سيقومون بعمل المستحيل لجذب معارفهم لحضور دورة تمهيدية مجانية ستقوم المنظمة بتقديمها فى موعد تم تحديده...
و "المحول" الجديد يكون عادة متحمس (وقد يصل إلى حالة التعصب) للمنظمة. و فى الواقع يوجد تعبير دارج لدى أكبر و أنجح المنظمات يقول: "بيع بضاعتك بواسطة متحمس (أو متعصب)."
و قد أنتجت هذه الدورات التدريبية (على أقل تقدير) ملايين الخريجين حول العالم حتى الآن و من ضمنهم نسبة عالية مزودون (أو مبرمجون) ب"زر داخلى" فى عقولهم يمكن تفعيله بكلمة معينة أو جملة أو صوت أو صورة أو حتى رائحة معينة لتضمن المنظمة ولاؤهم فى المستقبل وتضمن تلبيتهم لنداء المعلم الروحى أو المنظمة إذا استدعت الظروف...
فكر فى التبعات السياسية لمئات الآلاف من المتعصبين المبرمجين لإدارة حملة لمعلمهم الديني او الروحى..عليك أن تأخذ حذرك من هذا النوع من المنظمات التى تستدرجك لحضورحلقات متابعة للندوة الأولى. قد تكون هذه "الحلقات" أسبوعية أو ندوات رخيصة السعر و لكنها تتميز بأنها دورية و تفدم بانتظام. فالغرض منها هو الحفاظ على السيطرة و القدرة على التحكم فى الشخص...
و الإشارة الثانية التى تدل على أن وسائل التحويل جارى إستعمالها هى الإلتزام بجدول محدد من شأنه أن يسبب إجهاد بدنى و عقلى...
و الثالثة هى إستخدام الوسائل التى تزيد من حالة التوتر فى القاعة.
الرابعة: الشك. و فى إمكانى أن أقضى ساعات طويلة أتكلم فيها عن الوسائل العديدة التى تستعمل لتوليد الشك و زيادة التوتر. و الأساس فى هذه العملية هو جعل كل مستمع فى حالة قلق دائمة خوفا من أن توجه الأنظار اليه مما يكشف ضعفه و يشعره أنه "عاريا" أمام الجمع و هنا يلعب الموجه بعقدة الشعور بالذنب لدى المستمعين و يقوم بتشجيعهم على الإقرار بأدق أسرارهم للآخرين أو يدفعهم للإشتراك فى نشاطات تسقط عنهم أقنعتهم.
وقد يدفع أحد المشرفين بمستمع للوقوف على خشبة المسرح ثم يقوم بتأنيبه و توبيخه أمام جميع الحاضرين..و قد بينت الإستفتاءات العامة أن أكثر ما يخشاه أغلبية الناس هو الوقوف و التحدث أمام جمهور من المستمعين.
فيمكنك أن تتخيل حالة الرعب التى يمر بها الشخص عند وقوفه على المسرح و التى تؤدى فى بعض الأحيان إلى فقدان الوعى عند البعض و لكن الأغلبية تلجأ إلى حالة من "الغياب الذهنى" ورفض المواجهة (أو الهروب من) هذا الموقف و هم ينتقلون بهذه الوسيلة إلى حالة "الفا" العقلية مما يجعلهم أكثر إستعدادا لتقبل الإيحاء و يسهل عملية التحويل.
المؤشر الخامس الذى يدل على أن عملية "التحويل" تسير قدما هو إستعمال فيض من الإصطلاحات ألتى لا يفهمها إلا العالمين ببواطن الأمور من الحاضرين. أحيانا يكون المحاضر سليط اللسان و يستخدم لغة خبيثة (أو حتى شريرة) ليسود شعور عام بعدم الإرتياح بين الحاضرين.
و المؤشر السادس و الأخير هو إنعدام الدعابة و يمنع الضحك أثناء الندوة على الأقل حتى تتم عملية "التحويل". أما بعدها فتكون البهجة و المرح من الأشياء المستحبة لتعرب عن التغيير الذى حدث و تكون رمزا للبهجة و السرور و السعادة "الجديدة" (أو المفقودة) التى تم التحول إليها (أو العثور عليها).
و أنا لا أقول هنا أن هذه الإجتماعات لا يأتى من ورائها خير على الإطلاق. فى الواقع قد يكون فيها بعض الفائدة. و لكنى أريد أن يكون الجميع على يقين بما يحدث لهم (أو حولهم) و يأخذوا حذرهم و يعلموا أن إستمرارهم فى التورط فى مثل هذه الإجتماعات قد يؤدى إلى أضرار يصعب علاجها..و أكثر ما يزعجنا فى هذا الموضوع من تجاربنا الشخصية هو يقيننا بالقدرة الهائلة التى يستطيع بها شخص واحد و معه ميكروفون أن يسيطر على صالة مملوءة بالمستمعين و يتحكم فيهم. أضف إلى ذلك قليل من الموهبة القيادية أو الجاذبية الشخصية (charisma) و يمكنك أن تضمن عدد كبير من "المحولين" أو كما يسميهم البعض "المهتدين"...و من المؤسف أنه توجد نسبة مرتفعة من الناس على إستعداد تام لتسليم إرادتهم و الإستسلام الكامل لجماعة معينة أو حتى لشخص واحد ليقوم بالتحكم فيهم.
إجتماعات التنظيمات الدينية و المنظمات السياسية (و خاصة المنظمات التى يكون أغلب أعضاؤها من الشباب و المراهقين) تعتبر أنسب مكان لمشاهدة ما يطلق عليه "Stockholm Syndrome" حيث يبدأ الضحايا بإظهار علامات الحب و الإعجاب بل و أحيانا الرغبة فى إقامة علاقة جنسية مع آسريهم او معتقليهم أو الذين يقومون بتعذيبهم.
و يتحتم على هنا أن أوجه كلمة تحذير: إذا كنت تعتقد أنه فى إمكانك أن تشارك فى هذه الإجتماعات دون أن تتأثر بها فأنت غالبا مخطئ...
وهذا يتم عسكريا ايضا..فحكومة الولايات المتحدة مثلا ومعسكرات التدريب العسكرية...فى فيلق المارينز يتحدث المدربين عن "كسر الرجال" قبل إعادة بناؤهم كرجال جدد – أى رجال المارينز....فما الذى يفعلوه بالتحديد؟
إنهم يقومون باتباع نفس الطرق التى يتبعها رجال التنظيمات الذين يقومون ب"كسر" ضحاياهم ثم إعادة بناؤهم كبائعى زهور سعداء أو مروجين مخلصين لأفكار التنظيم فى محاولة لجذب المزيد من الضحايا ليتم "هدايتهم"...و يتم إستخدام الوسائل الست جميعها فى معسكرات المارينز.
و يبذل الأتباع جهدا كبيرا للتأثير على معارفهم فى محاولات لضمهم إلى جماعتهم و تحويلهم أو فرض طريقتهم عليهم و ذلك عن طريق سن القوانين ومحاولة إجبار الآخرين على الخضوع لها و لو حتى بالقوة – باستخدام السلاح وتوقيع العقوبات. و هى وسائل تطبيق القانون.
و يشترط لنجاح هذه الجماعات أن يتم "خلق" عدو أو شيطان أو فئة مكروهه لأعضائها...
و فى حالة الثورات يكون الشيطان عادة هو الطبقة الحاكمة أو الأرستقراطية... و تعتبر بعض التنظيمات الدينية كل من لم يحضر دورتهم التدريبية شيطانا يجب معاداته. و للإنصاف يجب أن أذكر أنه توجد تنظيمات ليس لها عدو و لكن هذه التنظيمات سرعان ما تبوء بالفشل أو فى أحسن الحالات تظل نكرة.
"المؤمن الحقيقى" (و المقصود هنا هو المؤمن بتنظيم أو جماعة معينة) يكون عادة إما مختل عقليا أو غير أمن (متزعزع) نفسيا أو ليس له أصدقاء أو أمل فى الحياة. فالشخص الذى إمتلأ قلبه بالحب لا يبحث عن حلفاء و لكنه يلجأ لهذه الوسيلة عندما يمتلئ قلبه بالكراهية و الحقد و ينفر الناس من حوله نتيجة لتصرفاته الشاذة التى تعكس تسلط أفكار جماعته و استحواذها عليه ..
وسائل الإقناع
الإقناع –من الناحية التقنية – لا يعتبر "غسيل مخ" و لكن غسيل المخ هو التلاعب بعقل شخص آخر بدون أن يكون هذا الشخص على يقين بالأسباب التى جعلته يغير رأيه.
فالهدف هنا هو الهاء النصف الأيسر من المخ و صرف إنتباهه عن عملية الغزو الجارية للنصف الأيمن. و الطريقة المثلى هى أن يقوم الشخص المتحكم بتوليد حالة وعى بديلة تؤدى إلى نقلك من حالة الوعى الكامل (beta) إلى حالة alpha. و هذه الحالة يمكن قياسها بواسطة أجهزة رسام العقل EEG...دعونى أولا أعطيكم مثل عن طريقة إلهاء النصف الأيسر. هناك وسائل متقدمة يستخدمها السياسيون و بعض المحامين و قد قيل لى أنهم يطلقون عليها إسم "شد الوثاق" (tightening the noose)...فلننظر إلى سياسى أثناء حملته الإنتخابية فهو يبدأ بما يسمى ب "مجموعة نعم" أى مجموعة من الأسئلة التى يكون رد المستمعين عليها بالإيجاب و بالتالى فهم يوافقون على هذه التصريحات و قد تراهم أحيانا يومئون رؤوسهم ليؤكدوا موافقتهم. ثم تأتى بعد ذلك مجموعة البديهيات..و هى تصريحات قد تحتمل صحتها بعض الشك. و لكن حيث أن المتحدث قد سبقها بما وافقوا عليه فمن المرجح أن يستمروا فى الموافقة. و أخيرا تأتى مرحلة الإيحاء..و هذا هو ما يريد السياسى منك أن تقوم بعمله و حيث أنك كنت على موافقة معه على طول الخط فمن السهل أن تقبل هذه الإيحاءات...
ويتم تدريب سياسى العصر الحديث و الخطباء بواسطة جيل جديد من الخبراء الذين برعوا فى إستعمال جميع الوسائل و الحيل و الخدع القديم منها و الحديث ليتلاعبوا بعقلك حتى تقبل افكارهم أو برنامجهم..او اهدافهم التي يقودونك اليها..وبوازع اخلاقي او ديني بينما الاهداف ابعد من هذا بكثير..
إرسال تعليق Blogger Facebook