4/11/2013 -
تُعتبر الغابات الاستوائية (المداريّة) وأنظمة السافانا العشبية مسؤولتين عن معظم التبادل السنوي لثاني أكسيد الكربون بين الغلاف الجوي وسطح الأرض. وتؤدي مواسم النمو الطويلة وزيادة تساقط الأمطار إلى قيام أنظمة إيكولوجية استوائية فائقة الإنتاجية1 تخزن بدورها كميات مقدرة من كتلة العالم الحيوية فوق الأرض2. ويمكن لمصير هذه البحيرة من الكربون الأرضي أن يؤثر في مستويات الكربون بالغلاف الجوي مستقبلًا، وبالتالي في قدرتنا على تثبيت غازات الدفيئة عند مستويات لا تشكل خطورة على النظام المناخي3. وفي هذه الدراسة، يشير كوكس وزملاؤه4 إلى نتائج يمكن أن تساعد على تطوير سيناريوهات مستقبلية أكثر واقعية حول تفاعل المناخ بالكربون في الأنظمة الإيكولوجية الاستوائية. 
وبامتداد العقد الماضي، حدث تقدم هائل في اتجاه دمج دورة الكربون في النماذج المناخية العالمية المسمّاة بـ«نماذج أنظمة الأرض». وأظهرت المحاكاة ـ باستخدام هذه النماذج ـ أن مخزون الكربون في الغابات الاستوائية سيصبح أكثر هشاشة لتغير المناخ خلال القرن الواحد والعشرين، بافتراض استمرار الوضع الراهن من انبعاثات الغازات الناجمة عن حرق الوقود الاحفوري. في أحد النماذج، مثلاً، تَبين أن احترار المناخ مع زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون يتسببان في قلة هطول الأمطار على امتداد حوض الأمازون؛ مما أدى إلى جفاف الغابات؛ وبالتالي حدوث مزيد من الاحترار5. في نماذج أخرى متعددة، أدت زيادة الضغط الناتج عن الجفاف في الغابات إلى تقليل نمو النباتات (صافي الإنتاج الرئيس) بامتداد المناطق الاستوائية، وبالتالي تسريع فقدان كربون الأنظمة الإيكولوجية6
إنّ التفاعلات التي يقوم فيها تغير المناخ بتحفيز تغيرات بدورة الكربون تسهم بدورها في احترار أكثر تسمَّى «التغذية المناخية الكربونية الإيجابية الراجعة». اختلفت قوة ردود الفعل بسبعة أضعاف في النماذج التي تم تحليلها6 في سياق تقرير التقييم الرابع الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الحكومية المعنيّة بتغير المناخ (IPCC). وفي معظم النماذج، تسيطر استجابة الأنظمة الإيكولوجية الاستوائية على قوة ردود الفعل المناخية الكربونية على مستوى العالم، برغم أهمية خسائر مخزون الكربون بالمناطق المرتفعة بالنسبة إلى نماذج تضم أفضل تمثيل راهن لفيزياء علاقات طبقة الجليد الدائم بالتربة7
وقد طوّر كوكس وزملاؤه مقاربةً لتقليل عدم اليقين المتصِل بحجم النتائج المناخية الكربونية بالمناطق الاستوائية. واستخدم الباحثون ما يسمى «محددات النماذج الناشئة»8 لصقل المدى المحتمل لحساسيات تدفق كربون الأراضي الاستوائية تجاه تغير المناخ خلال القرن الراهن. واستُخدمت هذه المقاربة سابقًا في الحد من التنبؤات المتعلقة بتغير المناخ، وشملت خطوتين: أولاً، وجوب إيجاد علاقة دالة إحصائيًّا بين التنبؤات المعاصرة والمستقبلية الناتجة كمحصلة لمجموعة من نماذج أنظمة الأرض بمراكز بحثية مختلفة. وثانيًا، ينبغي استخدام المشاهدات والقياسات لتقليل المدى الممكن للسلوكيات المعاصرة الموصوفة بتلك النماذج. 
يبيِّن الباحثون أن هذه المقاربة قابلة للتطبيق على دورة الكربون، ويظهرون أن النماذج التي تظهر مستويات أعلى من التباينات السنوية لمستويات ثاني أكسيد الكربون بالجو ـ نتيجة تغيرات الظروف المناخية، كظاهرة إلنينيو، وتذبذب التيارات الجنوبية ـ تميل إلى التنبؤ بفقدان أكبر للكربون من المناطق الاستوائية؛ استجابةً لتغير المناخ بالقرن الحالي. جمع كوكس وزملاؤه علاقات الارتباط الخطية الناتجة إلى قياسات عالية الجودة لمستويات ثاني أكسيد الكربون بالجو ودرجات حرارة من عدة شبكات أرصاد عالمية، وضيقوا مدى النتائج المستقبلية الممكنة. وأدَّى تحليلهم إلى استنتاج مثير، هو: غالبًا ما تبالغ نماذج أنظمة الأرض في تقدير حجم فقدان كربون الأنظمة الاستوائية؛ استجابةً لتغير المناخ. ونتيجة لذلك.. يقول الباحثون إن احتمال حدوث حالات موت للغابات الاستوائية أقل كثيرًا مما كان يُستنتَج بدراسات سابقة. 
أيعني ذلك أننا لسنا بحاجة إلى القلق بشأن تسبُّب تغير المناخ في فقدان الأنظمة الإيكولوجية للغابات الاستوائية؟ ليس بالضرورة.. فالحصول على نتائج دقيقة للاستجابات السنوية ـ بمستويات ثاني أكسيد الكربون ـ لتغير حالات المناخ أمر مهم، لكن ليس كافيًا للحصول على تنبؤات دقيقة وطويلة الأمد لدورة الكربون بامتداد عقود وقرون. فمثلاً، المدة الزمنية لتغيرات درجات الحرارة وحالات الجفاف التي تشكل القوة الدافعة لمعظم التباينات السنوية بمستويات ثاني أكسيد الكربون الجوي المعاصرة، تعتبر قصيرة، نتيجة عمليات فيزيائية تنظم إلنينيو والتذبذبات الجنوبية بتيارات المحيط. وتسبِّب هذه الاستثناءات المناخية تأثيرات فورية حادة على العمليات الإيكولوجية «السريعة» في الأنظمة الاستوائية، كصافي الإنتاج الرئيس، وحرائق الأنظمة الإيكولوجية، وإنتاج ثاني أكسيد الكربون بها. ويُحتمل أن تكون لهذه العوامل تأثيرات محدودة على تكاثر الأشجار، والتنافس، والموت، وهي العمليات التي تحدد استجابة الأنظمة الإيكولوجية لتغير المناخ عبر فترات زمنية أطول. وهناك حاجة إلى ملاحظات وقياسات جديدة لديناميكيات الغابات؛ لتحقيق مزيد من التقدم في المعرفة بجانب تمثيل أفضل للتغذية المناخية الكربونية الراجعة بنماذج أنظمة الأرض المرتبطة بالنشاطات البشرية كالحرائق9، (الشكل 1)، وتغير استخدامات الأراضي10.
<p><b>الشكل 1 | مكافحة الحرائق في غابة استوائية بإندونيسيا:</b> يورد كوكس وزملاؤه<sup><a href="#ref4">4</a></sup>&nbsp;أن احتمالات موت الغابات الاستوائية نتيجةً لتغير المناخ هي أقل مما توقعته دراسات سابقة، لكن يجب أن يتم دمج تأثير أحداث ـ كحرائق الغابات الاستوائية ـ في النماذج المناخية؛ لأجل تقييم أدق لمخاطر موت الغابات. </p>

تُعتبر المقاربة التي استخدمها كوكس وزملاؤه مثيرةً، لأنها تفتح مسارات جديدة لتقويم نماذج أنظمة الأرض، وتتيح فرصًا لتقليل عدم اليقين المرتبط بالسيناريوهات المستقبلية لتغير البيئة عالميًّا. وتقدم دراستهم أيضًا حافزًا واضحًا للعلماء الذين يدرسون دورة الكربون لتطوير مقاربات أكثر عمقًا وشمولية لتحليل الإسهامات المؤدية إلى التباين في مستويات ثاني أكسيد الكربون بالجو حاليًا، الناتجة عن تغيرات في التمثيل الضوئي، والحرائق، وموت الأشجار، وتنفس النباتات والكائنات المجهرية، ومعدلات موجات المحيط المتقلبة. تستحق حساسية هذه العمليات لتغير المناخ طويل الأمد مزيدًا من الدراسات والأبحاث، من خلال دراسات ميكانيكية، واكتشاف مزيد من المحددات الناشئة، مع تتبُّع أبحاث كوكس وزملائه.
المصدر:arabicedition.nature.com/journal/2013/04/nature11949

إرسال تعليق Blogger

 
Top