5/10/2014 -

 خطط احتلال (العقل العربي والإسلامي) استراتيجية غربية ـ أمريكية صهيونية..واهم المؤسسات القائمة


على امتداد قرابة المائتي عام الأخيرة، واجه وطننا العربي والإسلامي صوراً وأشكالاً مختلفة من الاستبداد والاستعمار من قوى غربية متعددة، رسمت جميعها، وخططت، لاغتصاب الأرض، ونهب خيراتها، بقوة السلاح، ردحاً من الزمن.

وإن طغت (السمة العسكرية) الاستعمارية على تلك المرحلة، فإن المرحلة المتأخرة من هذا الاستعمار الاستبدادي اتخذت منحى وشكلاً آخر، بعد الحرب العالمية الثانية ولا يخرج الغزو الأميركي البريطاني للعراق عن هذا الإطار، فهو في خلاصته النهائية يهدف إلى احتلال العقل العربي الإسلامي في العراق وما حوله. وطورت ذلك تطوراً ملحوظاً ـ نسبياً ـ نحو هدف جديد وهو (احتلال واغتصاب العقل العربي) والإسلامي بشكل عام.

لقد رأى مبشروا ومنظروا الاستعمار، أن امتلاك العقل واحتلاله هو درجة أسمى وأعظم من احتلال واغتصاب الأرض فقط. وذلك، لأن الأرض مهما طال احتلالها قد تُسترد وتُحرر بفعل العقل الحر والمحفز للتحرير.

أما احتلال العقل فيوفر كل عوامل السيطرة والاغتصاب دون منغص أو عائق، من هنا، بدأت (الاستراتيجية الغربية ـ الأميركية الصهيونية) وفي النصف الأول من القرن الماضي، بالتخطيط لعملية التحكم والسيطرة بالعقل العربي والإسلامي. (سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً) معتمدة على الخبرة المتوفرة والطويلة من استعمارها لكثير من أجزاء العالم. وتوجهت لذلك عبر وسائل تقنية وسياسية وثقافية، فيما عرف بالبحوث الميدانية المشتركة مع كثير من مؤسسات البحث العربية. ولقد تكشفت فيما بعد وبوضوح أن هذا التوجه لم يكن بريئاً وخالصاً من أجل العلم والمعرفة، بقدر ما كان بهدف السيطرة، وبث الأفكار المحبطة والمسمومة، وزرع قيم جديدة فكرية واجتماعية داخل المجتمع العربي، واستبدال القيم العربية الأصيلة في العقل الجماعي العربي والمسلم، بقيم غربية ساقطة، منافية لكل خلق سليم.

نماذج من الغزو (الثقافي والاستخباراتي).

لقد نظرت العقلية (الغربية ـ الأمريكية الصهيونية) إلى العلم والمعرفة على أنهما أداة استثمار وإشباع للحاجات. فاندفعت بقوة لاستغلال ذلك، بتحقيق أهدافها (السياسية والاقتصادية والاجتماعية). وعمدت إلى تصدير وترديد مقولات لطالما تغنت بها زيفاً. (العلم للعلم)، (العلم للجميع)، مخفية وراء بريق ولمعان هذه المعاني والمقولات، أهدافاً خبيثة للتسلط والاغتصاب والهيمنة على الشعوب ومقدراتها. ومن المؤسف جداً أن كثير من المثقفين العرب والمسلمين وذوي الاختصاص في مجال البحوث العلمية قد خُدعوا بزخرف القول والعبارات المفرغة التي روج لها الغرب ووسائل دعايته. وانجرفوا بتيارها. مما حقق لتلك الجهات الغربية فرصة التغلغل في المنطقة العربية ومجتمعاتها. وداخل كل قطر على حدة. وما فروع الجامعات الأمريكية والإرساليات الغربية المتواجدة في أكثر من قطر عربي إلا تأكيداً لتلك الخروقات. (الجامعة الأمريكية في بيروت، القاهرة، الشارقة) مثالاً زيادة في رغبة السيطرة، كانت الشركات المتعددة الجنسيات التي تتلاقى وتتشابك هي الأخرى في الأهداف مع كل النشاطات الاستخباراتية التي تقدمها العديد من المراكز والمؤسسات التي تُعنى الجوسسة، وإن غلفت نفسها بطابع العلم والمعرفة والبحث والمساعدات الخيرية والإنسانية. ومن هذه المراكز والمؤسسات على سبيل المثال لا الحصر:

على الجانب الأمريكي:

ـ مؤسسة (فورد فونديشن): والتي تعمل في المنطقة العربية من عام 1952.

ـ مؤسسة (ردكفلر): وهي تعمل في المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية.

ـ مؤسسة (راند): وقد برز نشاطها في مجال الدراسات الإسلامية والفلسطينية، منذ سبعينيات القرن الماضي.

ـ جماعة (أبحاث الشرق الأوسط): وهي تقوم بمهمة التنسيق العام بين وحدات شبكات الأبحاث الأمريكية المختلفة منذ عام 1966.

ـ مجلس (أبحاث العلوم الاجتماعية): يعمل في المنطقة العربية منذ ستينيات القرن الماضي.

ـ جامعة (جورج تاون): قامت بدراسة ومسح 12 قرية مصرية بالاشتراك مع جامعة الزقازيق مبصر عام 1985.

ـ وكالة (التنمية الأمريكية): وقد رصدت مبلغ 15 مليون دولار أمريكي خلال عامي 1981 ـ 1982 للبحوث المشتركة بين (مصر ـ الكيان الصهيوني) في مجالات البحوث الزراعية، كما مولت مشروع ربط الجامعات المصرية بمبلغ وقدره 28 مليون دولار أمريكي عامي 1984-1985.

ـ مركز (هارفارد) للشؤون الدولية.

ـ مركز (بريستون) للدراسات الدولية.

ـ مركز (شيكاغو) لدراسة السياسة الخارجية والعسكرية.

ـ معهد (بيركلي) للدراسات الدولية.

معهد (الشرق الأوسط) للدراسات الدولية، والذي خرج منه الصهيوني المعروف مارتن إندك الذي عمل سفيراً للإدارة الأمريكية لدى الكيان الصهيوني، ثم عمل في الإدارة الأمريكية زمن الرئيس الأمريكي كلينتون.

على الجانب الألماني:

ـ مؤسسة (فريد رش ايبرت).

ـ مؤسسة (فريد رش تومن).

وهما مؤسستان ترتبطان بوشائج قوية مع عديد من مراكز البحوث العربية في مصر وبعض الدول العربية في المشرق.

على الجانب الصهيوني

لقد مهدت اتفاقية (كامب ديفيد) الطريق لكثير من النشاطات الاستخباراتية الصهيونية داخل القطر المصري. ومن بين هذه النشاطات ما يقوم به المركز (الأكاديمي الإسرائيلي) بالقاهرة. وهو يشكل مصدر خطر كبير على العقل العربي، والأمن العربي، فالمشرفون عليه تدربوا على أيدي (الموساد) الصهيوني. وبنظرة متفحصة على بعض الأبحاث السياسية والثقافية والاجتماعية التي قام بها هذا المركز، يتأكد عمق الخطر الكامن في توجهاته وأفعاله، فهو تناول صوراً متعددة من الحياة المصرية والعربية. نذكر منها على سبيل المثال:

(الأصول العرقية للشعب العربي) في مصر. وقد لا يخفى الهدف المرجو من هذا البحث، وهل غير الرغبة في تفتيت هذا القطر على أساس إثني وطائفي؟!

كما تناول البحث دراسة ملفقة يظهر فيها (الوحدة الثقافية والعقائدية بين اليهودية والإسلام) كما فعل المستشرق (اليهودي ـ الفرنسي) برنارد لويس، الذي نشر وكتب عدداً من المؤلفات حول الإسلام، محاولاً الربط التاريخي بين اليهود والعرب المسلمين. (تأثير السلام على السلوك الفردي والجماعي) داخل المجتمع العربي. بالإضافة إلى قضايا التعليم، والزراعة والميكنة الزراعية. ولم يكتف المركز الصهيوني بالقاهرة بالعمل منفرداً بل راح يطور علاقته بالمركز الثقافي الأمريكي بالقاهرة والذي تعاقب على رئاسته عدداً من اليهود الأمريكيين، ومن الدراسات المشتركة بينهما، رؤى (الصراع العربي الصهيوني) ودراسات عن (الجماعات الإسلامية).

أما عن نشاطات المراكز الأمريكية ـ فحدث ولا حرج ـ نذكر على سبيل المثال بعضاً من عناوين تلك الدراسات التي اهتمت بها تلك المراكز الاستخباراتية:

(الصراع بين التيارات العلمانية والتيارات الإسلامية)، (النظرية السياسية الإسلامية)، (الأقليات في الوطن العربي واتجاهاتها السياسية)، (المثقفون العرب ودورهم في المجتمع)، (آفاق العلاقات بين الكيان الصهيوني ومصر) وبقية الأقطار العربية، (المهام السياسية للنخب العسكرية) العربية، (التيارات القطرية والقومية والإسلامية). إلى جانب الكثير من الأبحاث والدراسات المختلفة التي تحث على طرح السؤال:

لمَ هذا الاهتمام من جانب هذه المراكز لكل هذه العناوين؟!

أهو البحث العلمي الصرف؟! أم هو أبعد من ذلك بكثير؟!

الحقيقة أن الأمر أبعد ما يكون عن الصفة العلمية البحتة! بل هو عمل جوسسة وعمل مخابراتي مبطن، يقومون بذلك للتعرف على كل التفاصيل الدقيقة في التكوين العربي، كي يتسنى لهم سهولة التعامل وتوصيف الداء المناسب لإفشائه في الوقت المناسب، ليتم فيما بعد السيطرة على العقل العربي والمسلم وبرمجته وفق رغباتهم.

الإعلام وسيلة لاحتلال العقول

لم يعد خافياً مدى تأثير الإعلام وعلى اختلاف أشكاله (المقروء، المسموع، المرئي) في تشكيل الثقافة العامة والخاصة لدى كثير من الأفراد والجماعات. بفعل التطور الملحوظ لتقنيات الإعلام الحديثة وسرعة الاتصالات والحصول على المعلومات. وبما أن هناك فروقات فردية مؤكدة، من حيث المعرفة والقدرة على استيعابها أو التأكد والتمييز بين صحتها أو عدمه، فإن عدداً كبيراً من الناس سيقعون فريسة سهلة للإعلام المعادي، ونظراً لأن الإعلام بات عملاً له أسسه وقوانينه وحدوده الفاعلة وهي مرتبطة بالعامل (السيكولوجي) لدى الفرد أو الجماعة. فإن الدوائر الاستخباراتية (الغربية ـ الأمريكية الصهيونية) قد اهتمت بهذا الجانب اهتماماً كبيراً، وأولته عنايتها. ومن هنا، تأتي خطورة الإعلام المعادي والموجه الذي يعمل على تثبيط الهمم وإفساد الذمم، وقلب الحقائق، وتشويه العقيدة والموروث والتاريخ.

ولأن هذا الإعلام بكل أشكاله موجه بالأساس لذوي النفوس المفرغة من كل فكر ومعرفة، فهو يجد ضالته فيها. فهي الأكثر تأثراً وتصديقاً لكل أكاذيبه، يحصل ذلك في غياب وعي إعلامي عربي ومسلم يتصدى لكل الأراجيف التي ينشرها الطرف الآخر، وفق منهج علمي مدروس بعيداً عن الغوغائية المفرغة من كل معنى ومنطق.

إعلام عربي ومسلم يرفع من سوية الإنسان العربي والمسلم ويعزز قدراته الثقافية والمعرفية، لتكون دالته على التمييز بين الغث والسمين، بين الحق والباطل، لكل ما يقرأ ويسمع ويشاهد. وإن لم يتحقق ذلك سيظل الباب مفتوحاً على مصراعيه للأفكار السوداوية المغرضة تفعل فعلها وتنمو بشكل سرطاني يصعب علاجه فيما بعد.

وإذا كان المنطق يؤكد أن العلة قد تأتي من جهلة القوم، باعتبارهم الأكثر تهيئة للسقوط في شرك دعاية وإعلام العدو. فإن ما هو حاصل اليوم وعلى أرض الواقع يقلب الأمور رأساً على عقب، سبب سقوط فئات من المثقفين والساسة والإعلاميين في هذا الشرك الإعلامي، حتى باتوا جميعاً أبواقاً وقوى متقدمة للفكر المعادي، يبشرون به، ويعددون فضائله ومحاسنه! إنه بحق السقوط المشين. وما أكثر الشواهد على ذلك السقوط، التي توافرت وتوالدت على مدار أكثر من ربع قرن من الزمان على إثر (اتفاقية كامب ديفيد)، وما تبعها من سقوط سياسي عربي (أوسلو)، و(وادي عربة) مثالاً.

وهكذا باتت المقولات والأفكار السامة والممجوجة وكأنها من مسلمات الأشياء والحقائق التي لا يرقى إليها الشك. تُردد صباح مساء دونما حسيب أو رقيب. (السلام العادل والشامل)، (السلام خيار استراتيجي)، (السلام المشرف)، (سلام الشجعان) ناهيك عن التغني بالواقعية والعقلانية.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد من التضليل وقلب المفاهيم بل وتفريغها من محتواها، بل أخذ أصحاب الفكر الساقط التافه ينفرون من الفعل المقاوم الاستشهادي وينعتونه بالفعل الانتحاري العبثي! إن مَن يسفه الشهادة والدم المراق في سبيل الحرية والكرامة والحق هو ببغاء ليس إلا. وهل من عاقل يملك عقله وأمره يقول: (إسرائيل وُجدت لتبقى)؟! وهل من رهن ويرهن مصير شعبه وأمته لأحلام ووعود معسولة بمالك لعقله؟ إن تلك العقول استووليّ عليها واُحتلت. كما الصمت والعجز والإحجام عن الفعل المناسب وفي الوقت المناسب هو دليل عبودية العقول، حتى باتت الأجساد كالدواب السائمة لا تهتدي الطريق!

إن مجمل الأفعال والأقوال المنسجمة تماماً مع ما يطرحه المعسكر (الغربي ـ الأمريكي الصهيوني) من قبل أفراد أو جماعات وعلى مختلف مواقعهم الاجتماعية والسياسية والثقافية هو دليل على أن عقولهم محتلة مغتصبة.

وهل من يملك عقله ورشده يقدم على تطبيع واعتراف واتجار مع عدو غاصب، قتل واغتصب وشرد ودمر وما زال يفعل جهاراً نهاراً؟!

نعم، إن احتلال واغتصاب العقل هو أمرُّ وأصعب من احتلال ا لأرض، فامتلاك العقل نعمة يُحسد المرء عليها، فهنيئاً لمن امتلك عقله وحصنه وحصنه من عوادي الزمن والأعداء.

ليظل ينعم بالصفة الآدمية السامية، وتُعساً لمن رهن عقله وسلمه رخيصاً لمحتل، فبات دابة هائمة سائمة

إرسال تعليق Blogger

 
Top